كتابات لوليتا

كتابات لوليتا البيدج خاصة بكتابات الكاتبة إلهام رفعت
روائية مصرية

الفصـل الثـانيأَجْــنَبِي ــــــــــــــــــــــــــ  تَدَان حالته وشقائه منذ الصغر، أنْبتَ في قلبها الشفقة تجاهه، وسرعا...
07/09/2024

الفصـل الثـاني

أَجْــنَبِي

ــــــــــــــــــــــــــ



تَدَان حالته وشقائه منذ الصغر، أنْبتَ في قلبها الشفقة تجاهه، وسرعان ما تحولت لإعجاب من رجولته الدائمة في المواقف الجادة، وأيقنت أن ما يعانيه، والسوء الواقع عليه، ما هو إلا من طِيب قلبه الذي يفوح منه.

قبيل انضمامها لأجواء عمله، تفرست ورد في بطء هيئته وما يقوم به من أعمال وجدتها شاقة _من وجهة نظرها_ وأنه يستحق الأفضل. لمحته قد انتبه لحضورها مع أخيه وابتسم، فبادلته البسمَة بقدر ما أُعجبت من سماحته ووسامته.

أخذت تتقدم منه برفقة رامي، وحين استقام حسين وترك ما بيده لمقابلتهما، خاطبته في رقة:

-صباح الخير!

-صباح النور، أيه الزيارة اللي مش على البال دي.

أجاب حسين في ود، ألقى رامي نظرة لـ ورد قبل أن يرد مترددًا:

-كنا جايين ليك في خدمة، وإنت الوحيد اللي تقدر تقوم بيها.

اعتلت الدهشة وجه حسين وأضحى مُنصتًا لهما، يترقب ما يريدانه منه. لم تجعله ورد يُكمل لتضيف بنبرة مرتجية:

-بس علشان خاطري يا حسين، بلاش تتعصب أو ترفض بسرعة

تأججت دهشته من طريقة سردهما لطلبهما منه:

-ما تقولوا على طول فيه أيه قلقتوني؟

تجاسرَ رامي وهو يوضح:

-فيه واحد أجنبي معجب بشغلي، وعلشان كده هيجي يزورنا ويقعد عندنا كام يوم.

بدا على حسين فهمه للموضوع بطريقة أخرى، وظهر ذلك في رده:

-طيب أنا مهمتي أيه، واحد عايز يقعد في مصر، أعمله أيه؟!

مرة ثانية تبادلت ورد مع رامي النظرات المخبوء خلفها شيء جهل حسين في إدراكه، ثم وزع نظراته المستفهمة عليهما.

-هيقعد معانا في البيت يا حسين.

قالها رامي بصلابة رسمها من فرط حماسه للأمر، وهنا توصًل حسين لسبب حالتهما الغامضة، وبجدية مفاجئة ولاح عليه علامات وكأنه يفكر في الأمر، فترقب الاثنان رده في شغف؛ متأملين منه إعطاء الموافقة.

بضع لحظات مرت في صمت منهم؛ حتى كسره حسين يتساءل في اهتمام:

-ماما عايشة معانا، إزاي نجيب راجل غريب، مينفعش!

ابتسمت ورد من مناقشته للأمر وعدم تسرُّعه، بينما قال رامي وقد فكر سلفًا:

-من الناحية دي اطمن، مش هنسيبه لوحده مع ماما، حد فينا هيكون موجود معاه، وكمان أغلب الوقت هاخده معايا منين ما أروح.

تجهُّم وجه حسين لم يُبشّر بخير، لتهب ورد في ترجٍ خشية اعتراضه للأمر:

-دي فرصة لـ رامي، ولازم نقف جنبه، وافق يا حسين.

انتبه حسين لما تقوله، وكذلك لمجيئها الذي لم يتفهمه، فسألها مستنكرًا:

-طيب وإنتِ أيه علاقتك بالكلام ده؟!

توترت ورد من نظراته نحوها وهو يوجه الحديث لها، فقالت في حرج:

-وفيها أيه أما أقف مع ابن عمتي وأشجعه إنه يوصل لحلمه.

فور انتهائها من التعليل وجه حسين نظراته تجاه أخيه ولاحت بسمة صغيرة على ثغره؛ لكنها غير مريحة بالأخص لـ ورد، فقد فطنت منها أنه يشك في علاقة بينها وبين رامي، لربما محبة منها تجاهه، هنا رسمت تكشر وجمود في وقفتها وهي تنظر إليه؛ معلنة رفضها لظنه ذاك، وقررت الصمت أفضل حتى لا تزيد الأمر تعقيدًا.

بعد تفكير موجز من حسين نطق في تروٍ:

-أنا معنديش مانع طالما دا لمصلحتك، بس أُمّنا مش هتوافق

كان رامي مدركًا لتلك النقطة، لذا قال ليستعطف إياه:

-البركة فيك تقنعها.

حدق حسين بالأسفل يعيد التفكير في الأمر، طرأت عليه فكرة ربما تكون متهورة؛ لكنها الحل الآن، خاطب أخيه في عزيمة:

-ماما مش هتوافق، فخلينا نحطها تحت الأمر الواقع لما ينزل مصر إن شاء الله......!!



*****



على الرغم من إتمام كل ما خططت له برفقة ابنتها وانتهاء الأمر، إلا أنها ارتابت في أمر ابنتها، وتخوفت من تفكيرها في زوجها السابق؛ خاصةً بعد آخر مكالمة معه، فهي من أرغمتها على الحديث معه بتلك القسوة، كي يتناسى ما بينهما ويتركها. لم تنتبه منى لنظرات والدتها وهي تتصفح هاتفها وبالأخص كانت تمرر الصور الخاصة بها وبزوجها حسين وهما معًا، وبداخلها أحست بالشوق يطوف في تناغم، وللحظات كانت تبدي الندم لما فعلته من سوء في حق علاقتهما الرائعة.

لم تتحمل السيدة نادية وضع ابنتها المذبذب ثم جلست بجانب، فانتبهت لها منى وأغلقت الهاتف على الفور موتّرة الأعصاب، فإن أدركت السيدة ما تفعله فسوف تبغضها وتوبخها. لاحظت السيدة حالتها وتيقنت من وضعها مرمى مشاعرها. فسألتها بنظرات قاتمة:

-مكلمتيش تامر ليه زي ما قولتلك؟

تعثرت منى في الرد ولاحظت والدتها توترها، فاختلقت سببًا ما وقالت:

-رنيت عليه مجمعش معايا وانشغلت بالتليفون.

ألقت السيدة نظرة على هاتفها توحي بأنها مدركة سبب انشغالها ولم تعلن شيء، ثم خاطبتها بشيء من الترقب:

-الحاج منصور بعت مرسال لأبوكِ بخصوص الصلح بينك وبين حسين، بس أنا بلغته إنك خلاص مش قابلة العيشة معاه.

تابعت منى حديث والدتها وقد جرى عدم الرضى بداخلها، كونها تتخذ القرارات بالنيابة عنها، ولما لا، هي من وافقت على حديثها بترك زوجها والزواج من ابن خالتها الذي سيمنحها الكثير ويغدقها بملذات زاهرة. لذلك ردت مستسلمة:

-اللي تشوفيه يا ماما.

ربتت على فخذها في إعجابٍ وقالت:

-كده هتعرفي تعيشي صح، مش حُب وكلام فارغ

لم تقتنع منى كثيرًا وعلى الرغم من ذلك وافقت حديثها:

-عندك حق يا ماما، الفلوس هي اللي بتجيب السعادة

حمستها السيدة بطلعة بشوشة:

-يلا قومي كلمي ابن خالتك، دا يومين وراجع من الكويت........!!

*****



بعد تناولهم الطعام، ذهبت ورد لإعداد القهوة الخاصة بأبويها وبعض العصائر لها ولأختيها. بينما جلس الحاج منصور بجانب زوجته، وأمامه تجلس ابنتاه شهد ورشا في هدوء. كانت نظراته على ابنته شهد ومنها ظهر أنه يريد قول شيء خاص بها. وذلك ما أيقنته شهد، وتفهمت أنه يريد الحديث معها بخصوص زواجها من عادل ابن صديقه، فأسرعت ببدء الحديث في جد لتنهي الأمر:

-بابا كنت حضرتك طلبت مني أفكر في الجواز من عادل، أنا بصراحة مش موافقة ومش شيفاه مناسب ليا

أخرجت شهد ما في جعبتها دفعة واحدة، وذلك ما جعل الدهشة تعلو وجه والدتها، على النقيض الحاج منصور ظل كما هو كمن لم يستمع لشيء، فما يدور بعقله مغاير لما أعلنته للتو. وهنا تحدثت السيدة هنية مستنكرة:

-البشمهندس عادل مش مناسب ليكِ، أومال مين المناسب إن شاء الله

عارض الحاج حديث زوجته قائلًا:

-جرا أيه يا حاجة، هتجبري بنتك، الجواز رفض وقبول، يمكن مش مرتحاله.

فرحت شهد من حديث والدها ولم تتخيل أن الأمر بتلك البساطة، بينما لوت السيدة هنية فمها في اعتراض ولم تعلق. هنا وجه الحاج حديثه لابنته قائلًا في تبهج:

-أنا جايبلك عريس غيره متأكد مش هترفضيه، صغير وحلو وابن حلال مصفي

ضجرت شهد من تكراره الأمر فهي لن تتزوج سوى مَنْ تختاره شريكًا يستحقها، فعاد الحاج يسألها مبتسمًا باتساع:

-مش هتسأليني مين؟

كان الشغف حليف السيدة هنية التي استفهمت في لهفٍ واضح:

-قول يا حاج مين ده؟

رد الحاج دون مقدمات:

-حسين!

بعد نطقه لاسمه استمع الجميع لصوت ارتطام أكواب بالأرضية، وعلى الفور توجهت نظراتهم نحو ورد الواقفة في جمود عجيب وأسفل قدميها الصينية وحولها الأكواب المكسورة. نهض الحاج أولًا قلقًا مما حدث، ثم خاطبها في لطف وهو يدنو منها:

-حصلك حاجة يا حبيبتي؟

نهض الجميع لمتابعة ما حدث، وتوجهت أيضًا السيدة هنية نحوها مشدوهة وقالت:

-خدوا الشر معاهم، تلاقيها يا حبيبتي اتكعبلت في السجادة.

ابتسمت شهد في تهكم فهي متفهمة وضع أختها، فكل مرة يتأجج تأكدها بأنها تحب الأخير، ثم دنت هي الأخرى منها وهي تخاطب أختها الصغرى:

-تعالي يا رشا ننضف الأرضية قبل ما حد يتعور من القزاز ده.

أخذ الحاج بيد ابنته لتجلس على الأريكة ويطمئنها في حنو. بينما تولت السيدة والفتاتان تنظيف الأرضية، وهنا غمغمت رشا في تذمر:

-لو كنت أنا اللي كسرتهم مكنتش هشوف الحنية دي.

استمعت السيدة هنية لحديث ابنتها واعتلى وجهها ضيق طفيف، كون أن التفرقة بين بناتها وابنة زوجته السابقة باتت مكشوفة للعيان، حد أنها وصلت لمشاعر ابنتها الصغيرة. وهنا همست شهد في غيظ وزجرتها:

-أيه اللي بتقوليه ده، بابا بيحبنا كلنا زي بعض، مش عاوزة أسمعك بتقولي كده تاني.

لم تعلق السيدة على توبيخ شهد لأختها واكتفت بالصمت، ثم وجّهت نظراتها نحو زوجها وابنته، وفي معاملته نحوها وجدت الحنو واللطف الزائد. صمتها جاء بأنه لم يبخل في إظهار عطفه لبقية بناته، وحنانه من واقع شخصه فهو دائمًا ودود. زيفت بسمة صغيرة وتحركت ناحيتهما. قالت وهي تجلس على الأريكة بجانب ورد:

-فداكِ يا حبيبتي!

ابتسمت لها ورد في محبةٍ وقالت:

-ربنا ما يحرمني منك يا ماما!

تلك الكلمة التي نطقت بها ورد كانت بالفعل تغزو قلب السيدة هنية لتعتبرها بالفعل ابنتها، فهي من تولت تربيتها في عُمر السادسة، وهي من أترعتها بدفء أحضانها. حين انتهت شهد ورشا من تلك المهمة، عاود الحاج يسأل ابنته شهد في ترقب:

قولتي أيه يا شهد، عمتك مستنية الرد، دا هي اللي اختارتك لـ حسين

تضايقت ورد من حديث والدها، وغضبت من تفكير عمتها، فهي كانت الأجدر، هي من تزورها وتسأل باستمرار عنها، وبالأخير ترشح أختها. كبحت ورد حنقها وسلطت نظراتها التي ظهرت فيها استيائها، وذلك ما جعل شهد التي تنظر لها هي الأخرى ترفع راية العِناد وتقول في خجل رسمته ببراعة:

-حسين عريس مافيش فيه أي عيب، بس خليني أفكر يا بابا على ما نشوف علاقته بمراته هتوصل لفين

رمقتها ورد بنظرات أشد استشاطة، بينما أخفت شهد بسمتها ومثّلت البراءة. فرد الحاج منصور موضحًا:

-خلاص هيطلقها، هنخلّص موضوعه ودّي، الحاج طه اتفق مع أبوها الكل يتنازل عن القضايا ويطلقوا

سُرت ورد بسماع تلك الأخبار، لكن عكر صفو فرحتها ما يحدث الآن؛ خاصةً حين هتفت السيدة هنية في سرور:

-حسين زينة الشباب، وظروفه مش عيب، مش هنلاقي أحسن منه نأمنه على بنتنا

هزت ورد رأسها للجانبين لترغم أختها بإعلان الرفض الآن؛ لكن أغاظتها شهد حين أشارت لها بالنفي، وزاد الطين بلة حين هتف والدها في حماس:

-أقولهم يجوا إمتى يتقدموا........!!



*****



فتح باب شقته ثم وقف على عتبة الباب لبضع لحظات عابرة وعينيه تجوب المكان من الداخل، فكل شيء كان موضوعًا هنا وهناك لم يعد موجودًا، شعر حسين بالخزي والأسى وهو يتقدم للداخل في ذاك الفراغ من حوله، ولا إراديًا عاد يتذكر ما مضى، وكيف شهد هذا المكان على المحبة المتبادلة مع زوجته، وأسِف على سنوات مضت في أوهامٍ وأكاذيب كان فيها المضحي والمعطي بلا حدود.

تحرك حسين ناحية غرفة النوم، فوجدها قفْر، فتلك الأيام جعلت الشقة كمكانِ هجره أصحابه، لم يتحمل حتى خرج للردهة الموحشة، وقف في المنتصف وندم على حُبٍ أوهى قلبه، وأعلن غيظه واستيائه تجاه زوجته ووصفها بالخائنة، وشعر بكُره مفاجئ نحوها، فهي تعلم كم بذل من مجهود وحارب ليتزوج بها في مكانٍ راقٍ كهذا، وفي النهاية تركته غدرًأ.

انتبه حسين لصاحب العمارة يلج الشقة وهو يصفق بكفيه، نظر له في بُهتان وتخرّص، في حين هتف الأخير في سماجة:

-أنا قولت أكيد إنت هنا علشان تسلمني مفتاح الشقة.

نظرات حسين أعربت عن تأففه من دخوله هكذا؛ خاصةً نظراته المباحة للشقة من جميع الزوايا، أنّب حسين نفسه فلا يوجد ما يخصه كي يتأزم لتلك الدرجة مما يفعله هذا الرجل، خاطبه في حنق:

-جهزت اللي قولتلك عليه.

هتف الرجل في حماس:

-خلو الرجل جاهز والعقد وكله تمام.

قام حسين بالتنازل عن الشقة وأنهى المطلوب منه، فهو قد كَرِه المكان برمته، وحين انتهى من كل شيء خرج من العمارة ليتحرك ناحية سيارته المصفوفة جانبًا، وهو يسير نحوها رن هاتفه، حين أجاب خاطبه المتصل في خوف:

-فينك يا حسين، فيه حد كان بيفتح عليا باب الشقة، باينله حرامي ولا القاتل

هرول حسين ليركب سيارته وقد ملأ الوجل طلعته وهو يأمرها:

-مسافة الطريق وأكون عندك وكلمي خالي.......!!

*****



وهو جالس بغرفة مكتبها بالفيلا، تأمل ما تفعله كابحًا امتعاضه مما تفعله باستمرار من أجل ابنتها الكبرى، ولكن ليس عليه أن يتدخل، فقط يشاهد في صمت.

انتبه فؤاد لها تمد يدها بمظروف مليء بالمال، لا يعرف عددهم، ولكنه منتفخ. نظر لها في هدوء ظاهري وهي تطلب منه بنبرة ودودة:

-وصّله الفلوس دي، واتأكد إنه استلمهم

لوى فمه قليلًا وهو يعلق:

-هيستلمهم، هو مبقاش زي الأول مش عايزك تصرفي على بنته، باين الحمل زاد عليه والمصاريف كترت

حدقت به لميس وقالت في جد:

-أهم حاجة عندي بنتي تتعلم كويس، ومتبقاش محرومة من حاجة، مش كفاية ممنوعة أشوفها بسبب أوامر بابا.

نهض فؤاد من مقعده وكأنه اعتاد ما تفعله هذا، فشرط زواجها منه ألا يتدخل بشأن ابنتها، ولأنه يريدها وافق على ذلك. حين جاء ليغادر أوقفته حين قالت في تشوق:

-لو عرف يخليني أشوفها حتى من بعيد، يا ريت!، بقالي كتير مش عارفة اتقابل معاها

أدرك وضعها بسبب تشدد عمه في ذلك الأمر، كونها ارتبطت بمن هو أقل منها سرًا، هز رأسه مطيعًا لطلبها ثم تحرك للخارج وسط نظراتها. تعقبت لميس خروجه وبداخلها بعض الراحة، في أنها ولو من بعيد تمنح ابنتها حياة مترفة إلا حدٍ ما.......!!

*****



ترجل من سيارته مفزوعًا مما يحدث لأسرته وبخاصةٍ والدته، حين تحرك ليلج العمارة قابلته ورد أمام الباب، اطمأن قليلًا وهو يسألها قلقًا:

-كنتِ عند ماما يا ورد؟!

أحست بمدى خوفه وتضايقت حين رأته هكذا، لذا طمأنته:

-بابا وماما فوق ومافيش حاجة، كان عيل صغير بيلعب في الباب.

اغتبط حسين وهدأ باله ثم أخذ يتنفس في راحة، ابتسمت حين رأت مؤشرات وجهه الوسيمة تظهر، خاطبته في دراية:

-مش معقول حرامي هيروح يفتح باب الشقة في عِز النهار والسكان طالعين نازلين، دا يبقى حرامي أهبل

ضحك في خفوت فتبهج صدرها من رؤيته بحالة جيدة، فما يحدث معه يوجم قلبها. ثم ترددت في التحدث معه بشأن زوجته، لكن فضولها في معرفة ما يدور بداخله يحثها على ذلك، فسألته مترقبة:

-بابا قال إن خلاص موضوع مراتك انتهى على خير و..

قاطعها متأففًا:

-ورد متفتحيش السيرة دي، عاوز أنسى كل حاجة

تراقصت دقاتها من تبدل حاله هكذا، فما تدركه مدى الحب المتبادل مع زوجته، ثم سألته مستنكرة:

-معقول حُب تلت سنين هتنساه، دا إنت عملت المستحيل علشان تتجوزها.

ضربت على وتره الموجوع فحزن وهو يتذكر، رد في ألم:

-مافيش حاجة اسمها حُب، كله كان كدب، والنتيجة بعد شهرين جواز سابتني

خاطبته في لطف لتخفف عنه:

-إنت لسه صغير، إنت اللي اتسرعت واتجوزت بدري، وكانت نيتك خير ومفكرتش تضحك عليها زي شباب كتير...!!



من مسافة معقولة منهما على الجانب الآخر، جعلت منى السائق يقف جانبًا حين لمحتهما يتحدثان هكذا في ود غير مريح، ثم رمقتهما في غلول ظاهر، خاطبت والدتها الجالسة بالخلف معها:

-طول عمري بشك في البت دي، على طول كانت بتتلزق فيه، دلوقتي الجو فِضِي ليها، شوفي بتكلمه إزاي

ضيقت السيدة نادية عينيها لتدقق النظر إليهما، قالت في لا مبالاة:

-سيبك منهم، مبقاش يلزمنا في حاجة.

اغتاظت من برود والدتها تجاه الأمر، فهي تغلي من الداخل، وزادت والدتها من غضبها حين هتفت بفمٍ ملتوٍ:

-أم محمود جارتهم كانت بلغتني أن زبيدة هتجوزه بنت أخوها، تلاقيها تقصد ورد

التفتت لوالدتها لترمقها بنظرات مزعوجة وقالت:

-إزاي يا ماما تخبي عني حاجة زي دي!

نهرتها والدتها بصوت منفعل:

-ملناش دعوة، مالك وماله، ما خلصنا خلاص، إنتِ يا بت إنتِ مش مرتحالك، مش فضينا الموضوع

ارتبكت منى ولم تجد تعليل لحالة استيائها تلك، ثم صمتت مجبرة، فأمرت السيدة نادية السائق لتكملة الطريق والذهاب من هذا المكان، بينما التزمت منى الصمت وبداخلها عمدت اختلاق فضيحة مدوية لتلك ورد وسط جيرانهم هنا لتخرب هذه العلاقة قبل بدايتهـــا........!!



-إنت مجهزتش نفسك ولا أيه؟!

سألته ورد في قلق، حيث تناسى حسين أمر ذاك الأجنبي في ظل ما يحدث معه، لكن عليه أن يفعل كل ما هو في مصلحة أخيه، رد منتبهًا:

-نسيت إنه هيوصل النهارده، طيب فين رامي........؟!



*****



تسلّلت لخارج المشفى من الباب خلفي في حذر، قاصدة مكان بعينه اتفقت عليه مع أحدهم، والذي ما أن رأته حتى تهادت في مشيتها، وعينيها المظلمة عليهما، وبسمة خبيثة تزين ثغرها. حين وقفت أمامهما خاطبتهما في غرور:

-جهزتوا الفلوس، خمسة تلاف جنيه

قالت المبلغ وكفها مرفوع في وجوههما، فنطقت الفتاة لتعترض بنبرة متعبة:

-ليه كده يا دكتورة شهد، خليكِ رحيمة شوية

نفخت شهد بقوة وقد ضجرت من التفاوض مرة أخرى، هتفت بصوتٍ عالٍ نسبيًا:

-إحنا لسه هنتكلم، مش اتفقنا وعملتلك العملية وكله عدى زي الفل.

نظرت الفتاة للشاب المرافق لها كي يتدخل، لكنه من شدة حساسية الأمر فضّل الصمت، فعادت شهد تخاطبهما في شدة:

-خلصوني ورايا شغل كتير، هاتي يلا!

مدت شهد يدها لتستلم المال، ولم تجد الفتاة بُدًا من النقاش معها، ثم أخرجت كل ما معها لتضعه في قبضة الأخيرة قائلة:

-هما تلاتة ونص كل اللي معايا

جاءت شهد لتعترض فأسرعت الفتاة تقول وهي تفك العقد من عنقها:

-خدي دا كمان، واللهِ مش معايا

ثم وضعته في يد شهد وهي تتابع في استذلال:

-دا فضة واللهِ وتمن غالي

نظر الشاب للعقد الذي استغنت عنه فهو هدية منه لها، وعاتبها:

-هتديها هديتي؟!

ردت عليه الفتاة في توغر صدر:

-أومال أجيب منين، ما تدفع إنت، مش اللي نزلته دا يبقى منك!

تابعت شهد ما يحدث بينهما في اهتمام، وانتبهت لمشادة سوف تقع هنا، وربما افتضاح ما فعلته، واعتزمت الاستغناء عن بعض من حقها وقالت:

-خلاص اسكتوا، مشفهومش وهما بيسرقوا، شافوهم وهما بيتحاسبوا

ثم أعادت العقد للفتاة وهي تردف مستهزئة:

-خدي ياختي، والمرة الجاية حافظي على نفسك.

ثم تحركت لتتركهما خلفها وهي تعد المبلغ في سعادة ولسانها يردد:

-كده الواحد يجيب اللي نفسه فيه.........!!

*****



فتح المظروف أمام أخته وزوجته، فإذا به يحوي بضعة آلاف من الجنيهات، تطلعت السيدة زبيدة على المال في إعجاب وقالت:

-فيها الخير مش ناسية بنتها

جاء رد الحاج منصور عليها والذي لم ترتاح له وزجته:

-غصب عنها تبعد عنها، ما إنتِ عارفة اللي حصل.

تتابع السيدة هنية بقلبٍ مكسور ما يحدث، ورغمًا عنها تتذكر كيف تزوج عليها أخرى وهي معه لم تبخل في إعطائه جل ما يريد ويتمنى؛ لكنه فعلها إعجابًا بالأخيرة التي أغرته بمالها وحسبها. أحس الحاج منصور بها حين تأمل طلعتها المُطرقة، تفهم على الفور أنه جرحها قديمًا بزواجه، ولذلك ابتسم قائلًا في ودٍ وعينيه عليها:

-مهما عملت أمها، مش زي هنية اللي ربتها زي بناتها أحسن تربية وتعبت معاها

امتنت السيدة هنية له وردت على قوله ببسمة صغيرة، كذلك ربتت السيدة زبيدة على ظهرها كنوع من الإعجاب وقالت:

-محدش هينكر، ربنا ما يحرمكم من بعض.

ثم تحدثت بجدية بخصوص الأمر:

-هتحوشلها الفلوس زي كل مرة ولا هتعمل أيه؟

وضّح في عزيمة:

-ورد كبرت، بفكر أديها الفلوس وتصرف على مزاجها، دي فلوسها وحقها

-عين العقل يا أخويا، فعلًا مبقتش صغيرة ومحتاجة مصاريف وطلبات البنات بتزيد

أيّدته أخته بشدة، فقال متنهدًا:

-هو دا اللي هيحصل، أنا كمان عندي أخواتها على وش جواز وعلشان أجهزهم هيتقضم ضهري

-ربنا ما يحرمهم منك يا حاج

قالتها هنية في حنوٍ، فاستغلت السيدة زبيدة الموقف وتدخلت لتقول في حماس:

-وأنا شهد هحطها في عيني، بفكر تتجوز هنا في شقتي ومش محتاجين غير شنطة هدومها، وإن شاء الله حسين يشد حيله ويعوضها ويجبلها أحسن حاجة.

زادت سعادة السيدة هنية بحديث أخت زوجها فسوف تخفف الحمل عليهم بتلك الخطوة، فقالت في امتنان:

-وحسين مش هنلاقي أحسن منه لبنتي، كفاية بيعتمد على نفسه وراجل ابن راجل!

هتفت السيدة زبيدة حين بدا الأمر سهلًا:

-خلاص نجوزهم بقى، بصراحة عاوزة أخرجه من الكآبة اللي هو فيها وينسى اللي فات

وافق الحاج منصور على اقتراح أخته قائلًا:

-خلاص اللي تشوفيه يا زبيدة

تذكرت السيدة هنية أمر ابنتها حين تحدثت معها هذا الصباح بشأن الأمر، وإعلانها التفكير في ذلك ولم تبدي موافقة أو رفض، قررت عدم الإفصاح عن ذلك فهي لن تجد شخصًا مناسبًا كـ حُسين، وسوف توافق عاجلًا غير آجلٍ.........!!

*****



صف السيارة جانبًا حين وصلوا للمطار، تأمل رامي السيارة في تأفف داخلي فمستواها بسيط، كيف لهم أن يأتوا بضيف أجنبي ذو وضع جيد بتلك السيارة القبيحة، لم يعلق فليكفي أن أخيه قد وافق على اصطحابه لبيتهم، بينما تعالت ضربات قلب ورد من فرط حماسها في التعامل مع شخص أجنبي ورؤيته عن قرب، ثم شددت من إمساك تلك اللوحة المدون عليها اسمه للتعرّف عليه.

حين تأهب حسين للتحرك ناحية صالة الوصول، هتف مستنكرًا:

-المفروض دا واحد أجنبي جاي مصر، ما ينزل في فندق ولا أي شقة مفروشة.

خشي رامي تراجع أخيه عن وعده قائلًا:

-أيه يا حسين، إنت جاي تقول كده دلوقت مش اتفقنا

عقد جبينه معللًا حديثه:

-أنا عند كلمتي، بس غريبة يعني يجي عندنا بالذات

تدخلت ورد موضحة:

-دا جاي مخصوص لـ رامي، وعلشان ميعرفش حد في مصر هيقعد معاه

اقتنع حسين بعض الشيء ثم سار ثلاثتهم نحو صالة الوصول. وقفت الثلاثة في استقباله و ورد ترفع اللوحة مبتهجة وابتسامتها تصل لأذنيها، الأمر الذي جعل حسين يستنكر تلك الفرحة العارمة على وجهها، فخاطبها متهكمًا:

-كل الفرحة دي علشان سيادته

جاوبته ورد بطلعة متهللة تكاد تقفز مكانها:

-أجنبي يا حسين، بذمتك مش مبسوط وحاسس بفخر

لوى فمه ولم يعلق فلم يشغله الأمر بقدر انشغاله بردة فعل والدته حين يدخل عليها برجل غريب، والمؤكد مكوثه معهم بذات المنزل، ومن المؤكد أن سيبيت معه بالخارج.

بعد لحظات قليلة انتبهوا لمن يلوح لهم من بعيد، للحظة الأولى لم يتخيلوا أنه هو؛ لكن حين نطق بالعربية تأكدوا:

-سيد رامي!

حدق رامي بالرجل الذي يناديه في ذهول، كذلك ورد التي فغرت فاهها من شدة المفاجئة، على النقيض حسين الذي لم يهتم ولوّح له كنوع من الترحيب، ثم انتبه لأخيه بوضعه ذاك، وكذلك نظرات ورد ناحيته وجدها مباحة، كيف لها أن تدقق النظر لرجل أجنبي عنها، خاطبها في حزم أربكها:

-شيلي عينك من عليه بدل ما أسوّد عيشتك...............!!

_________________

_____________

________



لينك التليجرام

https://t.me/boost/e_l_y190

الفصـل الأولأَجْــــنَبِيــــــــــــــــــــــتأمُّل الغروب بعد انتهاء اليوم يختلف عن مراقبةِ الشروق، مُواعدتك لمن تحب ...
07/09/2024

الفصـل الأول
أَجْــــنَبِي
ــــــــــــــــــــــ

تأمُّل الغروب بعد انتهاء اليوم يختلف عن مراقبةِ الشروق، مُواعدتك لمن تحب تختلف عمّن لا تُحب، لا بل من تبغض. مَيل فؤادك للأشياء، لا يُقارَن بميلك وركضك خلف من تريد من الأشخاص. ففي الأولى تفقد اللذة بعد وقت بمجرد حصولك عليه، وماذا عن الثانية؟، هل يحدُث نفس الشيء؟. بالطبع يحدث في بعضِ الأحيان، إن لم تهوَى بحق.
أُناسٌ تغفا في أريحية، في جَمْعة، والآخر وحيد قد استوحش الحياةَ، فتجد نفسك قلِقًا، تختلس من الحظ ما تستطع، وتُجبّر به قلبك الشَقيّ..!
****

تركت ما بيدها ثم نهضت متجهة نحو باب شقتها، بعد أن قررت إشباع فضولها ومعرفة لمن هذه الضجة والثرثرة غير المفهومة. فتحت الباب في حذر وهي تراقب. لاحظت إحدى الجارات مع أخرى تسرد في حزن شيئًا ما قد حدث، أيضًا صعود وهبوط أشخاص من العمارة وخارجها في حالة فوضى تثير الريبة.
اقتربت السيدة زُبيدة منهن مدهوشة وهي تتساءل:
-خير يا جماعة، أيه اللي بيحصل في العمارة؟!.
نظرت لها السيدة أم محمود والتي بدورها شرعت في الرد والأسى يغطي صوتها:
-الست عواطف اللي ساكنة لوحدها في الدور اللي فوق، لقيوها من شوية مقتولة.
انتفض جسد السيدة زبيدة في زعر، جف حلقها من مجرد تخيُلها الأمر، ردد لسانها دون وعي:
-لا حول ولا قوة إلا بالله.
أضافت الجارة الأخرى موضحة:
-الواد حمامة المكوجي وهو طالع عند الحاج كامل لقي باب شقتها مفتوح والقفل مكسور، دخل ولقاها واقعة على الأرض وغرقانة في دمها.
استمعت السيدة لهن بقلبٍ واجف، وملأها الخوف، فقد خشيت أن يحدث لها مثل ذلك، وأثناء حوارهن استمعن لسيارة الشرطة بطنينها المعروف قد أتت، انتبهن لأحد الرجال يخاطب آخرين في حزم:
-كله ينزل، محدش يلمس حاجة الحكومة جت.
توجهت السيدة زبيدة لباب شقتها ثم واربته بقدر يسمح لها بالمتابعة لما يحدث. لمحت الشرطة تصعد للأعلى في جو يملأ القلب خوفًا، مما دفعها لتغلق بابها عليها.
سارت حيث كانت تجلس في الردهة، وفكرها مشغول بما حدث، وأخذت تخمن ما سوف يحدث آجلاً، جلست والخوف في عينيها اللامعة بالدموع، حدّثت نفسها:
-أكيد هيقبضوا على اللي متخاصمين معاها، وأنا إمبارح لأجل حظي المنيل متخانقة معاها قدام العمارة كلها.
بكت بحرقة وهي تتخيل مصيرها لما صار، وضجّت في بؤس:
-فينك يا حسين، فينك يا رامي، فينكم يا ولاد تشوفوا أمكم.......!!

****

انقمع على مصطبة رخامية في إحدى الزوايا أمام ساحة المحكمة؛ مبتعدًا قدر الإمكان عن أشعة الشمس التي أندت ثيابه بفضل عرقه الغزير. حيث وقف ينتظر المحامية لبدء الجلسة، وبالأحرى يستعد لمواجهة الاتهامات التي تقذفها زوجته عليه بالباطل، وبُهِت بالكامل، فقد آلمه قلبه من انقلابها المفاجئ عليه، واعتصر الغصة في حلقه ليُسيغ ما غص به من هموم..
اضطرب حسين فجأة إثر خبطة خفيفة على كتفه من الخلف، جعلته يركز انتباهه على الشخص، فإذا به شاب في مقتبل العشرينات، نهض يخاطبه في قلق:
-كنت فين دا كله؟، فكرتك مش جاي!
رد الشاب في ود:
-مـ.. معقول أ. أتأخر عليك يا أسطى.. حسين.
ربت حسين على كتفه في عشم وقال:
-راجل يا حودة!
انتبه حودة للمحامية تأتي من بعيد فهتف في شغف:
-الـ.. أستاذة. نرجس.. وصلت
دنت نرجس المحامية منهما بطلعة نشيطة، خاطبت حسين في جَد:
-جبت الشهود يا حسين؟!
أشار على حودة قائلاً:
-جبت واحد بس، للأسف التاني جاتله أزمة قلبية وراقد في المستشفى.
رددت وهي متأففة:
-أزمة قلبية!
ثم وجهت بصرها لـ حودة ولم ترتاح لهيئته، زفرت بقوة قائلة وهي تتحرك لداخل مبنى المحكمة:
-يلا بسرعة ورايا، الجلسة شوية وتبدأ...!

لاحقـًا بداخل قاعة المحكمة، سرد حودة ما حدث بطريقة جعلت بعض الموجودين يضحك في صمت، والبعض الآخر وصل لقمة صبره في تحمُّل الاستماع أكثر له وهو يهتف متلعثمًا:
-وك.. ك.. كانت مراتـ ه مع قرايـ بـ ها بيحمـ... لوا العزال.. السـ ا عـ ة واحـ د ة بلـ ليل، وأنـ ا شاهد، شـ وفتهم بعيني.
وقفت المحامية نرجس تكز على أسنانها بقوة، فقد أثار ذاك الشاب حنقها أكثر من القاضي الذي يسأله. التفتت لـ حسين ترمقه في غيظ، تلومه أيضًا على شاهده غير المُفيد، وتمنت أن يأخذ القاضي بقوله، لذا هتفت توضح:
-الشاهد مش متخلف يا فندم، دا عنده صعوبة في النطق من وهو صغير، أرجو من المحكمة تاخد ده الاعتبار.
أومأ القاضي ثم فض الجلسة وقام بإعلان موعد للنطق بالحكم، حين غادرت هيئة المحكمة توجهت نرجس لجمع أوراقها، وحسين من خلفها يخاطبها:
-أيه اللي هيحصل بعد كده يا أستاذة؟!
صمتت للحظات فما حدث قبل قليل أغضبها، هتفت:
-أنا عملت اللي عليا، إنما سيادتك هتبوظ كل حاجة، جايبلي واحد مبيعرفش ينطق كلمتين على بعض وعاوزوه يشهد.
-ما هو ده اللي شاف كل حاجة.
تأملت عن كثب وجه حسين وأشفقت على حالته:
-إنت يا حسين بدون مبالغة حظك زفت، مراتك طفشت منك وسرقت جهاز البيت، والشهود اللي شافوا الواقعة، واحد على مشارف الموت والتاني أخرس.
تضايق حودة من وصفها له وود أن يعنفها؛ إلا أنها رحلت، ثم في جهامة ربت على كتف حسين يواسيه:
-غـ غصب عنـ ي يا أسطـ ي حسين، أنا جـ يت معاك وشهـ دت
تصنّع حسين الابتسام وهو يمدحه:
-إنت عملت اللي عليك يا حودة وأنا مقدر تعبك.
ثم تطلع حسين أمامه في شرود وما قالته المحامية يعود لمسامعه:
-أنا حظي وحش، الدُنيا مدياني ضهرها.....!!

****

انتظر فقط لوقتٍ قليل ثم وجدها تدلف مع بعض زميلاتها، ابتسمت حين رأته وفورًا كانت تستأذن منهن وتركض ناحيته، خاطبته في ود:
-استنيت كتير؟!
-لا مش كتير.
سارا معًا ناحية باب الجامعة وهما يتبادلان الأحاديث، ثم توجها نحو الحافلة، صعد رامي أولاً ليجد لها مقعدًا مناسبًا، حين وجد أحدهم شاغرًا دعاها للجلوس فابتسمت ممتنة، وقف هو أمامها وانطلقت الحافلة، وانقطع حديثهما..!

بعد عدة دقائق توقفت الحافلة حيث موقف السيارات، لركوب مواصلة أخرى، فلبُعد الجامعة عن البيت يضطرا للركوب مرتين. وهنا يمكنهما التحدث، فسوف يجلس بجانبها، حيث حين ركبا الـ (الميكروباص)، سارع رامي في التحدث معها قائلاً:
-بدأت انزل شغلي على النت، وفيه ناس عجبها اللي بعمله.
نصحته في محبة:
-الطريق ده أخرته وحشة، وفيه ناس بتستغله غلط.
-أنا عارف ربنا كويس، وكمان هعمله للناس اللي تستاهل، ودي حاجة بفهم فيها وبعملها بحب.
ابتسمت ورد له وهتفت:
-ربنا يوفقك، إنت ذكي وشاطر، أنا زمايلي مصدقوش إن الفيديوهات بتاعتك تركيب من الاحترافية اللي بتعملها.
بدا عليه قلة الحيلة وهو يقول:
-المهم إن فيه فلوس باخدها وبتساعدني في مصاريف الجامعة، مش معقول هشيّل حسين همي، هو مش ناقص، كفاية اللي هو فيه.
انجلى التكشُّر على تعابير ورد وهي تتذكر حالة حسين المتدهورة بسبب زوجته وما فعلته معه، وبدأت في الشرود والتفكير فيه حتى وصل (الميكروباص) بهما للحي، وترجلا منه.

وهما يقفان منتصف الطريق لاحظوا رجال الشرطة هنا وهناك، فأصيبت ورد بالدهشة واستفهمت:
-أيه اللي حصل، الصبح كانت الحارة رايقة؟!
حين تمعنت النظر فيما يحدث تابعت:
-دول عند عمارتكم يا رامي
قلق رامي وأسرع خُطاه ناحية العمارة، وبالطبع لم تتركه ورد وسارت خلفه لتفهم الموضوع.....!!

****

في منزل حُسين..
بات في موضع لا يُحسد عليه، فالمشاكل تتراكم عليه من حيث لا يدري، فلم ينتهِ بعد مما كان فيه، لتأتي والدته بالأفظع حين أخبرته. وجًه حسين نظراته إليها وعاتبها:
-يا أمي كذا مرة أقولك ملناش دعوة بحد، أنا لسه جاي من المحكمة، هروح تاني في قضية تانية.
هبت تدافع عن نفسها:
-أنا معملتش حاجة، الكلب بتاعها قارفني وقولتلها هـ...
ترقًب حسين بقية حديثها الذي بترته، وقرّب وجه نحوها ليسحب الكلام منها، فتابعت في تردد:
-قولتلها هقتلك الكلب.
-تقومي تقتليها يا أمي!
صاح حسين بذلك في تيه من أمره، فاغتاظت والدته منه وهتفت لتُعنفه:
-إنت شكلك اللي هتلبسني مصيبة، هو أنا أقدر أقتل فرخة يا بختي المايل إنت.
-أومال خايفة كده ليه وبترتعشي؟!
سألها متعجبًا من أمرها، فردت في أسى:
-ما هما ممكن يتهموني بقتلها، أصل محدش اتخانق معاها غيري
انتبها الاثنان لولوج رامي ومعه ورد، فجذّا حديثهما، وجلست السيدة دون كلمة.
تساءل رامي في فضول وهو يقترب منهما:
-أيه يا حسين، الحكومة في العمارة ليه؟
خطف حسين نظرة لوالدته التي أخفضت رأسها، ثم رد عليه باقتضاب:
-دا الست عواطف اللي فوقنا لقيوها مقتولة
كغيرهم ممن استمعوا للخبر، أصبحوا في حالة صدمة وقلق معًا، فاستفهمت ورد بحالتها المفزوعة:
-مين دا اللي قتلها؟!
تردد حسين في الإسهاب في شرح الأمر؛ أو من عدمه، رد في عدم اهتمام مصطنع:
-منعرفش حاجة، لسه الحكومة هتبحث وتعرف....!!

****

-هيروح فين اللي عمل كده، مسيره يتقبض عليه!
كان ذلك رد الحاج منصور الذي يُبدل ثيابه على سؤال زوجته عن جريمة ليلة أمس. رتبت السيدة هنية ملابسه بالخزانة وهي تردد ما يقوله أهل الحي:
-بيقولوا القاتل سرق فلوسها ودهبها، بس فيه حاجة تحيّر.
قالت جملتها الأخيرة في استنكار، لتتابع مرمى حديثها بـ:
-لو قاصد يسرقها بجد، كان وهو بيقتلها كمل جميلُه وسرق الدهب اللي لبساه، معقول مخدش باله وهو بيقتلها.
انتاب الحاج منصور الحيرة أيضًا، لكن للحظات قليلة، حيث هتف في ضجر:
-ملناش دعوة طالما أحنا بعيد، قومي جهزي الغدا زمان بناتك رجعوا..
هتفت لتُصدمه بما علمت به:
-ملناش دعوة إزاي، دي أختك امبارح متخانقة معاها، مش بعيد يتهموها...!

في غرفة البنات..
-الناس ملهاش سيرة غير الجريمة اللي حصلت
خاطبت رشا الابنة الصغرى أختيها، ومن الواضح عدم مبالاتهن بالأمر، حيث انشغلت الأخت الكبرى شهد بالعبث في أغراض حقيبتها، كذلك ورد التي تقف أمام الخزانة تبدل ثيابها، وحين انتهت التفتت لـ شهد تتحدث معها:
-عملتي أيه في موضوع عادل، قولتي لبابا رأيك؟
تأففت شهد بصوت مسموع، ومن هيئتها أبانت عدم رضاها عن الأمر. ابتسمت ورد في تهكم وتابعت:
-كنت عارفة إنك مش هتوافقي، أنا عارفة إنتِ عاوزة عريس عامل إزاي.
لم تعلق شهد واكتفت بتجاهلها، وذلك لم يزعج ورد، التي قالت وهي تغادر الغرفة:
-يلا علشان نجهز السُفرة!
حين خرجا أختيها، تركت شهد ما بيدها، وبدا فكرها مُترع بأمرٍ مُغاير، ما جعلها لم تبالِ بحديث أختها معها، وبحنكتها سيّجت ما مرت به اليوم في المشفى بتعامُلاتها السابقة في أمورٍ كهذه، حدّثت نفسها في جموح:
-فيها أيه لو عملت كده، على الأقل هطلع بقرشين حلوين....!!
****

في صباح اليوم التالي..
لخوفه الشديد على والدته ومحبته الجارفة لها، أخذها بنفسه لمخفر الشُرطة، وأخبرتهم السيدة بكل ما لديها من أقوال، وتم إخلاء سبيلها بمحل إقامتها.
عاون حسين والدته على هبوط الدرج، فنظرت السيدة زبيدة حولها متضايقة من نفسها، خاطبت ابنها نادمة:
-سامحني يا حسين، عُمري ما اتخيلت إنك في يوم تاخدني من القسم
-فيه أيه يا ماما، هو أنا مخرجك من قضية لمؤاخذة.
استنكر ما تقوله، فوقفت السيدة محلها وعلى طلعتها شيء من الخوف:
-ممكن القاتل ده يرجع ويفكر يقتل حد تاني، ومش بعيد أكون أنا، ما أنتوا كتير بتسبوني لوحدي.
ضم حسين والدته لأحضانه وهتف:
-ربنا يحميكِ يا أمي، دا أنا أقلب الدنيا لو حصلك حاجة.
أخذ حسين والدته في سيارته البسيطة للغاية، وانطلق بوالدته حيث بيتهم...!!

****

في الورشـة..
مر قُرابة الأسبوع ولم يتناسى أحد ما حدث؛ رغم عدم ذكرهم للأمر، وبمعنى آخر التهوا في أشغالهم، فالتفكير في هذه الجريمة يثير الخوف في نفوسهم. بالأخص حسين الذي خرج لعمله اليوم وترك والدته، فقد ظل فكره مشغول بها، كون القاتل لم يتم كشف هويته بعـد.
وهو في أوج انهماكه في تصليح إحدى السيارات، رن هاتفه المحمول، ترك ما يفعل وسحب قطعة القماش يمسح يده.
لم يصدق عينيه وهو يرى اسم زوجته على الشاشة وتتصل به. ابتسم متأملاً أن تخبره برجوعها عمّا تفعل، ثم أجاب في انشراح صدرٍ عليهـا..
-منى!، أنا مش مصدق إنك...
لم تجعله يُكمل وصلة محبته وشوقه لغيابها، فقاطعته بنبرة جعلته يمحي آماله:
-أنا بكلمك علشان ماليش في جو المحاكم، وعاوزين نخلص الموضوع من غير شوشرة.
غصّ من كلامها الموجع وكبت مشاعر استيائه، رد:
-إنتِ اللي سرقتي كل حاجة في الشقة، وروحتي بلغتي إن أنا اللي واخدهم، إنتِ اللي بدأتي
ردت بطريقة فظة فاجأته منها:
-شوف يا حسين، إحنا مش لبعض، وحياتي معاك مش هقدر استحملها.
-وتلت سنين حب، راحوا فين؟!
سألها بنبرة لائمة، ظنها سوف تلين قلبها؛ لكن صدته في تجبُّر:
-كلام فاضي، أنا لازم أعيش مع اللي يقدر يحقق كل اللي أنا عاوزاه، وإنت على قدك، وكنت غلطانة.
أغمض عينيه وقد اعتصره قلبه من حديثها، ودون أن يستمع أكثر أغلق الهاتف. ثم تفاجأ بمن خلفه وكان قد استمع دون قصد لحديثه، تدخل الحاج طه وقال مترددًا:
-معلش إني بدخل، إنت صعبان عليا يا حسين يا ابني، هي باعتك وسرقت بيتك اللي تعبت علشان تجهزه، دي ميتبكيش عليها.
-أنا لسه بحبها.
فشل حسين في تخبئة ما يضمره للأخيرة؛ رغم ما اقترفته بحقه، فنصحه الحاج طه:
-الحب مش عيب، بس فكّر في مصلحتك، لازم تشوف مستقبلك، مش هتفضل قاعد كده تندب حظك.
أومأ حسين في طاعة ليخبره بأنه سيفكر بالأمر، فابتسم الحاج له وتساءل:
-العربية بقت جاهزة؟!، أصل ورايا مشوار كده....!!

***

ولجت الغرفة خلف أختها وهي ترمقها في خبث، فقد كشفت أمرها من حديثها عن ابن العمة وتدخلها في مشاكله. جلست ورد على المكتب الصغير بالغرفة تجمع بعض كُتبها الخاصة، ولم تلاحظ دُهمة نظرات أختها نحوها، حتى نطقت الأخيرة:
-إنتِ عاوزة أيه من حسين؟!
انصدمت ورد من سؤال أختها غير المريح، استفهمت:
-قصدك أيه؟
-قصدي واضح يا ورد، مالك ومال حسين، دا واحد متجوز، وممكن يرجع لمراته.
لم تأنس ورد بحديث أختها، وفطنت معرفتها بميلها إليه، ابتلعت ريقها تبرر:
-كل الحكاية إن حسين طيب واللي عملته مراته حاجة ميتسامحش عليها، دي هانته ومش أول مرة.
تهكمت شهد من ردها ولم تقتنع بالتأكيد، في ظل اهتزاز نظرات ورد، التي أعربت ما بداخلها. دنت منها شهد وعليها علامات من الود، وحملت نبرتها التعقّل وهي تخاطبها:
-ورد، ابعدي عن حسين، بابا بيشوفله حل ويمكن يرجع لمراته، حسين بيحب مراته وكلنا عارفين ده، ووقتها هتخسري.
تأثرت ورد بكلام أختها، ولتبعد شكوكها فيها كذبت:
-على فكرة إنتِ فاهمة غلط، هو علشان واقفة جنبه هتفكري كده
تركتها شهد ولم تضغط عليها، فقالت في لُطف:
-أنا بس بقول كده علشان إنتِ أختي الصغيرة، ولسه مش عارفة حاجة، أنما أنا كبرت ومر عليا كتير
لم تعلق ورد واكتفت بالنظر إليها، فتوجهت شهد لتحمل حقيبتها و(كيس) كبير نسبيًا لونه أسود، غير معلوم ما به، قالت لتودعها:
-أنا هروح المستشفى، طلبوني من شوية.
غادرت شهد وتركتها تفكر في حوارهن، وعلى النقيض فقد قلقت ورد مما قالته لها أختها، رددت في وجل:
-معقول يرجع مراته بعد اللي حصل بينهم......!!

****

على المائدة، كانت تهتم به أكثر من السابق، تجعله بقدر الإمكان لا يتضايق ببُعد زوجته عنه، فهي والدته ومَن تدرك بمفردها ما يَمُر به ابنها الآن.
فكرت السيدة زبيدة في شيء، واعتزمت إخباره ريثما يفرغ من طعامه. في حين التفت حسين لأخيه رامي يسأله مهتمًا:
-مبقتش تطلب مني فلوس زي الأول يعني، أوعى تكون مكسوف مني!
ابتسم رامي من لُطف أخيه قائلاً:
-أنا عارف بتتعب قد أيه، حتى بعد ما اتجوزت وإنت بتصرف علينا.
-دا واجبي، وإنتوا في رقبتي.
ربتت السيدة على ظهره مسرورة بكلامه، بينما هتف رامي موضحًا:
-أنا دلوقتي بعمل شغل على النت وبيدخلي مبلغ يكفيني
-يكون حاجة محترمة يا رامي.
بسبابته نصحه وحذّره حسين في ذات الوقت، فأكد رامي له:
-طبعًا، دا شُغل فوتوشوب وتركيب فيديوهات، وعجبت كمان الأجانب، لدرجة واحد منهم بيكلمني ومعجب بيا قوي
تفاخر حسين بأخيه وأسعده ما يفعل، بينما قالت الوالدة بمناشدة:
-ربنا يحميك يا حبيبي، إنت وأخوك، والله وعرفت أربي
مررت نظراتها عليهما في تباهٍ، ثم نهض رامي كونه لديه بعض المهام الدراسية ثم غادر حيث وجهته، فجاء وقت فتح السيدة الحديث مع ابنها حسين.ترددت في البداية؛ لكن ماذا عساها أن تفعل، تشجّعت وخاطبته:
-أنا مش عاجبني حالك ده، لازم تلتفت لنفسك.
أدرك حسين مقصدها قائلاً:
-إن شاء الله الموضوع هيتحل، فيه ناس بتدّخل في الموضوع ومنى هترجع.
-إنت شاغل بالك لسه بيها، يا ابني حرام عليك نفسك.
نهرته بطلعة غاضبة من محبته الزائدة للأخيرة، فنظر حسين لوالدته جاهلاً مرمى كلامها. قالت السيدة في حزم:
-إنت لازم تتجوز.
ابتسم بسخرية من اقتراحها هاتفًا:
-حتى لو اتجوزت، ما خلاص يا أمي، الشقة اللي كنت فيها بقت فاضية من كل حاجة.
-منها لله الحرامية دي هي وأهلها، قعدت أقولك اتجوز معايا هنا.
وجدت السيدة نفسها تعكر مزاجه أكثر من اللازم، فغيّرت طريقتها للهدوء وابتسمت قائلة:
-بس إحنا فيها، هجوزك واحدة هتعيش معانا هنا، وهي منا وعلينا.
قطب جبينه مترقبًا مَن تقصد، وأسدلت السيدة الستار عمّن أرادتها زوجة له، هتفت في حماس:
-أيه رأيك في شهد بنت خالك، فكر ومتستعجلش.....!!

***

كان لتلبية ندائه غرض آخر من جانبها، وذاك ما دفعها لتركض هكذا مستجيبة له في التو، وقطعت المسافة بين منزليهما في ذات الحي في غضون ما يقارب الدقيقة. وحين شرعت في صعود الدرج للشقة توقفت في المنتصف فجأة مُغتمة، وقد ذابت أمانيها، وذلك حين رأت أمامها من تتوقت لرؤياه يهبط الدرج أمامها، ثم تنهدت في يأس..
حين وصل إليها خاطبها في هدوء:
-صباح الخير يا ورد!
لمحت في عينيه ضيق واغتمام كبيرين، وسريعًا ما تفهّمت سببه، ردت ببسمة صغيرة:
-صباح الخير، إنت خارج ولا أيه؟
قال بضيق صدر:
-أيوة، المحامية طالبة تشوفني ضروري.
لعنت بصوت مسموع وهي تذم زوجته علنًا أمامه:
-منها لله، كل اللي إنت فيه ده منها، هو فيه واحدة تطول تبقى مراتك، دا إنت سيد الناس.
ابتسم في امتنان وقال:
-ربنا يجبر بخاطرك يا ورد
لم تتمادى ورد أكثر؛ كي لا تلفت انتباهه بمدى اهتمامها به؛ أو أنها تكن له شيء ما، ثم وعيت له يخاطبها:
-يلا سلامُ عليكم!
-وعليكم السلام!
قالتها في ود وأعينها كانت تتابعه أثناء مروره من جوارها؛ مكملاً هبوط الدرج، فزفرت في ضيق وغمغمت:
-وأنا اللي جيت جري علشان أشوفك، تقوم تمشي!
تباطأت بعكس السابق لتتابع تدرجها للأعلى وهي تجر أذيال الخيبة. وفور وصولها للشقة مرقت على الفور، حيث تركت عمتها الباب مفتوح. أثناء تقدمها للداخل وجدت عمتها على طاولة الطعام ومعها سيدة تبدو غريبة عن المنطقة، لم تستفهم عنها وبالأحرى لم تهتم، فلا شأن لها، بل خاطبتهن وهي تتحرك ناحية إحدى الغرف:
-سلامُ عليكم، صباح الخير يا عمتي!
انتبهت لها العمة وردت بإشراقة:
-صباح الورد يا ورد!
ثم عادت العمة تولي انتباهها للسيدة، همست لها في شغف:
-يلا كملي شايفة أيه قدامك؟!
تمعنت السيدة النظر للفنجال وركزت نظراتها جيدًا، قالت بنبرة مريبة:
-ابنك أهو ظاهر قدامي مهموم، وفيه واحدة واقفة قدامه، باين هي السبب في ضيقته دي.
شهقت السيدة وهي تقول في خوف:
-يا حبيبي يا ابني، منها لله تلاقيها مراته، أشوف فيها يوم.......!!
****

جلست ورد على مقعد مجاور لـ ابن عمتها رامي، الذي يقاربها في العُمر، والذي بدوره هو من طلب مجيئها، قالت وهي تحدق بشاشة الحاسوب:
-يعني هو قالك إنه جاي قريب؟!
رد في تأكيد وهو يشير لها للرسائل المتبادلة بينهما:
-قدامك أهو كلامه معايا، خلاص قرر ينزل يزور مصر.
تهللت ورد وظهر ترحيبها بذلك، هتفت:
-والله وهيبقى عندنا أصحاب أجانب، لا وهيجوا عندنا كمان.
ثم صفّقت مُعربة عن فرحتها الكبيرة، فقال رامي بطلعة مكتربة:
-وإنتِ يعني شايفة البيت يليق قوي بحد، أنا خايف يطفش لما يجي ويشوف العيشة دي.
هتفت في استنكار شديد:
-هو دا اللي عندنا، إحنا مقولنلوش إننا عايشين في قصر.
نظر لها رامي في قلقٍ وقال:
-طيب وماما وحسين، تفتكري هيخلونا نستقبل حد هنا، دا العيشة على القد؟!
لم تفكر في ذلك من قبل، كونها تفهمت العكس، قالت:
-المفروض دا أجنبي، يعني هيكون معاه دولارات، دا هو اللي هيصرف علينا.
رد معترضًا وقد اندهش من تفكيرها:
-دا ضيف عندنا يا ورد، مينفعش اللي بتقوليه ده.
تجاهلت ورد كل ذلك ولم تبدي اهتمام، بل صبت كامل فضولها وهي تستفهم:
-طيب ما بعتلكش صورة ليه، هموت وأشوف الأجنبي ده.................................!!
___________________
____________
______

Address

Jeddah

Website

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when كتابات لوليتا posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Share

Category