
05/09/2025
الحرف الندي
#في حضرة الاستاذ :
من #غبيش إلى #جبران خليل جبران .
✍️
أواصل رحلتي في مدرسة الهجرة الابتدائية بنين بمدينة غبيش، حيث بدأت أولى خطواتي نحو عالم الأدب، على يد أستاذ جليل وأديب فذ، حبّب إليّ القراءة والاطلاع، وفتح لي أبواب الأدب الجاهلي والمعاصر وأنا بعدُ في الصف الثالث.
كنت أتجوّل بين أبيات المعلقات السبع، أقرأ قصص القصائد، وأتخيل نفسي بين.
امرؤ القيس، طرفة بن العبد، زهير بن أبي سلمى، لبيد بن ربيعة، عمرو بن كلثوم، عنترة بن شداد، والحارث بن حلزة
أعيش بينهم، أسترق النظرات إلى عيون عبلة وجاريات ذلك الزمان، في رحلة طفولية تبحث عن الجمال وتنسج الخيال.
رحلت بي الكلمة إلى دار جبران خليل جبران، وكان كتابه _دمعة وابتسامة_ صديقتي الدائمة، تنام تحت وسادتي وتوقظ فيّ الحنين كلما قست عليّ الأيام. وجدت في بيار رفائيل أنيسًا لا يغادرني، وفي أبي القاسم الشابي نافذةً إلى عالم من صلوات في هيكل الحب، حيث القصيدة محراب،
كان أستاذي حسن أبو الروس أكثر من مجرد معلم؛ كان أمّة من الأدب والذوق الرفيق. كان يناديني من بين طلاب الفصل لأجلس معه في المكتب زمن الفسحة، يناقشني في قصيدة الشابي، يشرح لي الكلمات، ويغوص معي في المعاني، حتى ظننت أن الشاعر من أبناء غبيش، وأن القصيدة كُتبت لنا نحن.
كان يحدثني عن شعراء الحقيبة: ود الرضي، الجاغريو، العبادي، عبيد عبد الرحمن، وسيد عبد العزيز، ويحدثني عن كيف كانوا يقولون الشعر بالعامية السودانية الفصيحة، وكيف كانت الكلمة عندهم نبضًا حيًّا، لا يُكتب فقط بل يُغنّى ويُعاش.
في تلك اللحظات، لم أكن أتعلم الأدب، بل كنت أتنفسه. كان الأستاذ حسن أبو الروس يزرع فيّ حب الكلمة، ويعلّمني أن الشعر ليس ترفًا، بل هو وطنٌ نلجأ إليه حين تضيق بنا الحياة. واليوم، حين أعود بذاكرتي إلى تلك الأيام، أجد أن أول بيت شعر حفظته، وأول كتاب أحببته، وأول قصيدة ناقشتها، كانت كلها بفضل ذلك القلب الصغير الذي حمله أستاذي بين يديه، ووزعه علينا بيتًا بيتًا.