
29/08/2025
🔻 التسول المنظم في الخرطوم غزو من نوع آخر ومعركة كرامة مؤجلة
وائل البابلي
الجمعه ٢٩ أغسطس ٢٠٢٥
- الخرطوم اليوم تعيش واقعا مقلقا يتجاوز حدود الفقر والهجرة إلى مستوى الصراع غير المرئي الذي يستهدف كيان الدولة ومجتمعها.
- فالمشهد لم يعد محصورا في تدفق أفراد يعبرون الحدود طلبا للرزق بل تحول إلى موجة بشرية كثيفة تحمل معها أنماطا جديدة من الاستيطان العشوائي والمتسول المنظم الذي ينتشر في الأسواق والمساجد والشوارع الرئيسية.
- في مقدمة هؤلاء يبرز القادمون من تشاد وأفريقيا الوسطى، من قبائل القرعان والقرعولية والسارا والكارا وغيرها، حيث يظهرون في الخرطوم كمتسولين، لكن حضورهم يتجاوز التسول ليصبح امتدادا لصراعات إثنية وإقليمية تسعى إلى تثبيت موطئ قدم في قلب العاصمة السودانية.
- هذه الظاهرة لا يمكن قراءتها فقط كقضية اجتماعية أو كجرائم تسول بل هي في جوهرها وجه من أوجه الحرب الحديثة. إنها ليست حربا بالدبابات أو المدافع بل حرب جيل جديد تعتمد على الاختراق الديمغرافي وتفكيك النسيج الاجتماعي وإضعاف الهوية الوطنية من الداخل.
- فالمجتمعات تُستهدف اليوم عبر التلاعب ببنيتها السكانية وتحويل مدنها إلى فضاءات مزدحمة بالعشوائيات والغرباء، ليجد المواطن نفسه غريبا في عاصمته وتضيع ملامح الانسجام الوطني لصالح خليط غير منضبط.
- لهذا فإن المطلوب اليوم هو رفع مستوى الخطاب الوطني إلى مستوى التحدي. يجب أن نفهم أن الخرطوم ليست مجرد مدينة وإنما عنوان للكرامة الوطنية، وأن الدفاع عنها لا يكون فقط بالرصاص، بل أيضا بالوعي والإدراك والقدرة على مواجهة الحرب الناعمة التي تسعى إلى تجويف المجتمع من الداخل. إن التنبيه لهذه الظاهرة هو واجب الساعة، لأن معركة الكرامة ليست فقط في ميادين القتال بل أيضا في ميادين المجتمع حيث تتشكل الهوية وتصان الأوطان.
- إن ما يجري في الخرطوم لا ينفصل عن معركة الكرامة التي يخوضها السودان على أكثر من جبهة. فكما أن هناك من يسعى إلى تقويض الدولة بالسلاح، هناك من يتسلل إليها عبر هذه الموجات البشرية ليعيد رسم ديمغرافيتها ويدفعها إلى صراع هوية صامت. هذا النوع من الحروب أكثر خطورة لأنه لا يُرى في لحظته بل تُدرك نتائجه بعد سنوات حين تتبدل ملامح المجتمع وتنشأ أجيال منقطعة الصلة بهويتها الوطنية.
- إن مسؤولية التنبيه والوعي لا تقع على الحكومة وحدها ولا على الأجهزة الأمنية وحدها بل هي مسؤولية وطنية شاملة يتشارك فيها المجتمع والإعلام والنخب الفكرية والسياسية. فالمعركة هنا معركة وعي قبل أن تكون معركة أمن، والنجاح فيها يبدأ من كشف أبعادها للرأي العام وإدراك أنها ليست مجرد تسول عشوائي بل جزء من استراتيجية تدمير بطيء تستهدف قلب السودان.
#السودان #الخرطوم
#التسول