13/09/2025
نعيم الجهل وجحيم الوعي ليسا مجرد مفاهيم متناقضة، بل هما حالتان وجوديتان يعيش الإنسان بينهما، ممزقًا بين راحة الوهم وعذاب الحقيقة.
نعيم الجهل
الجهل يمنح صاحبه راحة غير مشروطة، فهو لا يُثقل عقله بأسئلة لا إجابة لها، ولا يطارده الشعور بالعبثية أو الضياع. الجاهل سعيد لأنه لا يرى مدى تعقيد العالم، ولا يشعر بثقل المسؤولية الأخلاقية تجاه نفسه أو الآخرين. يعيش في عالم من الأحكام البسيطة، حيث الأبيض أبيض والأسود أسود، ولا مكان للرمادي الذي يعذب الواعين. الجهل، في أحد تجلياته، يشبه الطفولة؛ تلك المرحلة التي نُخدع فيها بسهولة، لكننا نبتسم أكثر مما نفكر.
جحيم الوعي
أما الوعي، فهو لعنة لمن لا يعرف كيف يتعامل معه. إنه أن ترى الحقيقة مجردة، دون زينة أو أقنعة. أن تدرك هشاشة الوجود، وأن تفهم أن الحياة ليست عادلة، وأن الخير لا ينتصر دائمًا، وأن الموت ليس احتمالًا بل يقينًا. أن تعي نفسك، بضعفك، بتناقضاتك، بأفكارك التي لا تنفك تحاصرك. الوعي يسرق منك الطمأنينة، لأنه يُعرّيك أمام نفسك، ويجعلك مسؤولًا عن كل شيء؛ عن أخطائك، عن قراراتك، عن معنى حياتك الذي لن تجده جاهزًا في كتاب، بل عليك أن تصنعه وسط الفوضى.
بين النعيم والجحيم
أيهم أفضل؟ أن تحيا في جهل مطمئن، أم في وعي مؤلم؟ ربما الجواب لا يكون باختيار أحدهما، بل بإيجاد توازن بينهما. أن تكون واعيًا بما يكفي لترى، ولكن جاهلًا بما يكفي لتحيا. أن تدرك الحقيقة، لكن دون أن تسمح لها بسلبك لذة العيش. كما قال دوستويفسكي: "أحيانًا، يكون من الأفضل للإنسان ألا يعرف الحقيقة، لأن المعرفة يمكن أن تكون عبئًا لا يُحتمل."
لذلك، الوعي قد يكون جحيمًا، لكن الهروب إلى الجهل ليس خلاصًا. بل التحدي الحقيقي هو أن تجد طريقة لتعيش بوعي دون أن تحترق بناره.
#أدب
#نصوص
#كتابة
#مشاعر
#وجع
#فكر
#خواطر
#كلمات
#حروف