30/10/2025
الفجر الجديد آت
سينهض من بحور الدماء المتلاطمة، والخرائب المتراكمة، شعب آخر، شعب جديد، شديد الوعي، عينه واسعة ولامعة، وقلبه كبير، فكما ان النار تجلو الحديد وتخلصه من الشوائب، وتجعله صلبا قويا، فإن الحروب تصهر الشعوب وتوقظها من لحظات الغفلة وغياب الوعي، وتعيد صياغتها وقولبتها
لقد ظللنا "شعب كل حكومة"، سنين عددا: حررت الناس يا إسماعيل/ عبود يا جبل الحديد/ عاش الصادق أمل الأمة/ يا نميري بايعناك/ عاش الصادق أمل الأمة/ هس لله/ عاش البرهان وولد حمدان/ شكرا حمدوك. فكان حصاد الهشيم، والحاضر الأليم. وكانت الحرب، ودخلت هذه المرة في اللحم الحي، حيث لم تعد هناك مدينة او قرية آمنة، وعلا البكاء على الأطلال: أطلال شعب وأطلال دولة
والدرس شديد القسوة، ولكن، وكما نتباهي بأن القراية أم دق أنجبت جيلا حسن التعليم والوعي، فإن الدق الذي عشناه منذ ابريل 2023 سينجب شعبا قوي العود وشديد الوعي، لن يرضى بأن يكون "قُفّة" يحركها سياسيون وحكام فسدة وعجزة، سيكون شعبا يعرف قيمة التسامح والتعايش والتوافق، وأن أموره لن تمضي الى غايات جميلة ونبيلة إلا ب"التشايل" وليس بالاشتباك. ولكن هذا لن يحدث في المستقبل القريب، فحتى لو ارتضى طرفا الحرب الرئيسيان وقف القتال تماما غدا، فالمليشيات التي تشبعت بثقافة التوحش التي كرستها قوات الدعم السريع، ستظل تقتل وتسرق وتهتك الأعراض. وسنرى مشاهد تشابه مشهد سفاح الفاشر أبو لولو، وهو يفجر أجساد مدنيين عُزل بنفس فرحة طفل يفجر بالونات، نعم، ستظل تشعل النيران هنا وهناك بهدف تحقيق غايات قادتها، لأن تاريخ السودان المستقل يقول إنه لا كلمة مسموعة إلا لحامل السلاح
وعليه ستمر بنا سنوات عجاف، نعاني خلالها من التصحر والجفاف في القوت والأخلاق والقيم الإنسانية والبنى التحتية، اليابانيون والألمان بشر مثلنا دفعوا أثمانا باهظة خلال الحروب الشرسة التي دمرت كل شيء عندهم تقريبا، ثم نفضوا الغبار عن أنفسهم وتحولوا الى كُتل بشرية متماسكة يعمل أفرادها كتفا بكتف، وحولوا البلدين الى عملاقين اقتصاديين، ونحن نملك أهم أدوات النهوض الاقتصادي: التراب والماء، والكثير من الذهب، وحروب المستقبل في العالم ستكون حول الغذاء والماء، وسيشب أطفال اليوم عن الطوق خالين من دنس السنوات الغابرة، ليصبحوا مواطنين ذوي همم عالية، يكدحون وينتجون، ولن يختاروا مثل من سبقوهم بين البغل والحمار، لأنهم ثاقبو الأنظار، وهم من سيرفع علم البلاد عاليا فوق سارية كوكب الأرض، لن يمارسوا البوبار اللفظي الأجوف "نحنا ونحنا"، بل سيكون "بوبارهم" بما يتم إنجازه من أعمال وما يتم تحقيقه من آمال
والليل مهما طال يعقبه فجر، وبلادنا موعودة بفجر جديد يعيش فيه جيل جديد بعزم من حديد
بقلم جعفر عباس