30/11/2025
الزراعة الطريق نحو اقتصاد مستدام في جنوب السودان (نأكل من ما نزرع).!
بقلم المزارع/ مبيك دانيال مدوت
أيميل: [email protected]
تواجه دولة جنوب السودان تحدياً اقتصادياً كبيراً يتمثل في اعتمادها شبه الكامل على عائدات النفط، وهو اعتماد أثبت هشاشته أمام تقلبات الأسعار والأزمات السياسية والأمنية. وفي الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى بناء اقتصاد قوي ومستقر، نوصي بالاعتماد على الزراعة كخيار الأكثر واقعية فجنوب تتميز بوفرة أغنى البيئات الطبيعية في المنطقة، ومساحات واسعة من الأراضي الخصبة، إلى جانب إمكانات كبيرة في الثروة الحيوانية ووفرة والمياه الامطار والنيل.
إن الانتقال من اقتصاد يعتمد على مورد واحد إلى اقتصاد متعدد المصادر يبدأ بإعادة الاعتبار للقطاع الزراعي باعتباره عموداً أساسياً للتنمية. ويتطلب ذلك رؤية واضحة ترتكز على تطوير البنية التحتية، دعم المزارعين، إدخال التقنيات الحديثة، وتحفيز الاستثمار في الصناعات التحويلية.
أول خطوة في هذا الاتجاه تتمثل في تحسين الطرق الداخلية التي تربط العاصمة جوبا بولايات والمحافظات وربط مناطق الإنتاج بالأسواق، إلى جانب إنشاء شبكات ري حديثة تقلّل من مخاطر الاعتماد على الأمطار. كما أن بناء مخازن وصوامع للحبوب يمكن أن يقلل خسائر ما بعد الحصاد، التي تمثل أحد أكبر التحديات في الزراعة المحاصيل.
أما المزارعون، فهم العنصر الحقيقي في عملية النهوض. دعمهم بالبذور المحسّنة، التدريب الحديث، والقروض الصغيرة سيسهم في رفع الإنتاجية وتحسين الجودة (البنك الزراعي)، وإلى جانب ذلك، تصبح الصناعات الزراعية التحويلية ضرورة وليست مجرد خيار. فبدلاً من تصدير المواد الخام، يمكن تصنيع الدقيق والزيوت والأعلاف محلياً، مما يخلق فرص عمل ويزيد القيمة الاقتصادية للمنتجات.
الثروة الحيوانية أيضاً مورد ضخم غير مستغل. فبتطوير المراعي، تحسين السلالات، وإنشاء مسالخ حديثة، يمكن لجنوب السودان أن يتحول إلى أحد أهم مصدّري اللحوم والجلود في المنطقة.
ولكي يتحقق كل ذلك، يجب توفير بيئة آمنة وجاذبة للاستثمار، وتحسين القوانين، ومحاربة الفساد الذي يعطل أي محاولة إصلاحية. كما أن بناء شراكات مع الدول المجاورة والمنظمات الدولية يمكن أن يفتح أسواقاً وفرصاً جديدة للمنتجات المحلية.
إن تنويع الاقتصاد ليس رفاهية، بل هو ضمانة لمستقبل مستقر. والزراعة، بكل إمكاناتها، قادرة على أن تصبح الأساس الذي يقوم عليه هذا المستقبل. فجنوب السودان يملك كل المقومات ليكون سلة غذاء حقيقية للمنطقة إذا أحسنت الدولة إدارة مواردها ووضع سياسات واضحة لاستثمارها.
ختاماً، فإن استغلال الموارد الزراعية ليس مجرد مشروع اقتصادي، بل هو خطوة نحو بناء دولة قوية، مستقلة، وقادرة على مواجهة التحديات والاعتماد على النفس. والزراعة هي الطريق الأقرب والأكثر أمناً لتحقيق هذا الهدف.