10/08/2025
سائقي البودا والمسكوت عنه.!
بقلم/ عبدالله مرغني علي
يمكن تعريف المواصلات بأنها الوسيلة، أو إحدى وسائل النقل والتي تستخدم في نقل البضائع والأشخاص من وإلى وجهة ما وثمة العديد من وسائل النقل الأكثر شيوعاً في العالم (النقل البحري، البري، الجوي) وخطوط النقل داخل المدن والأرياف وتختلف بحسب طبيعة البلاد، أنا بصدد الحديث عن جنوب السودان بوجه الخصوص، وعن إحدى وسائل نقلها العامة الأكثر استخداما ولأنها تناسب تماما حجم وشكل شوارعها الوعرة الدراجات النارية أو ما يعرف بـ"البود بودا" حيث يمكننا القول أن البودا ساهمت في تقريب المسافات ما بين مناطق الإنتاج في ضواحي جوبا وربطها مع السوق، حيث تجدهم في الصباح الباكر وهم مصطفين في المحطات بأنتظار راكب أو ما يعرف في لغتهم اليومية "كتّلة" تلك شفرتهم الخاصة، تجدهم بكثر تحت أشجار النيم أمام البنوك وفي الأسواق غارقين في هموم الحياة وأشعة الشمس الحارقة تلهب ظهورهم غير آبهون لشيء متمسكين بأمل إن الغد أفضل وأن التغير قادم لا محالة.
لوسائل النقل أهمية بالغة في رقي المجتمعات وتقدمها، وذلك عبر سن قوانين تنظّم المهنة وتلتزم بالخدمة ومراعاة حقوق العاملين فيه، وقد ساهمت وسائل المواصلات عبر التاريخ في إثراء حضارات عديدة ولعبت أدواراً عديدة في نهضة الكثير من مجتمعات حول العالم شاركوا عبرها في تبادل منتوجاتهم الثقافية والسياسية ولا شك الإقتصادية.
كما إن لها أثر كبير على الجانب الإقتصادي ويعتبر جزء لا يتجزأ من تأسيس المدن والقرى كواجهة سياحية حيث نجد أن الكثير من الدول وخصوصا الآسيوية تعتمد على السياحة كمصدر رئيسي لها، وتبذل لقاء ذلك مجهودات جبارة حتى تجتذب السياح من شتى بقاع العالم بوسائل نقلها الفريدة و الأكثر شيوعا، وهناك أمثلة للأهمية وسائل النقل في الأنشطة البشرية اليومية و ذلك ربط ما بين مناطق الإنتاج والسوق ويساهم بصورة مؤثرة في ترقي المجتمعات البدائية.
ولا يمكن الإنكار بأن دولة جنوب السودان ليست بمعزل عن العالم الحديث ولها دورها أيضا لتلعبه؛ عن طريق ترقية البنى التحتية وتأهيل المرافق السياحية وإنشاء محميات طبيعية لجذب السياح وربط مناطق السياحة بقنوات مواصلات خاصة بين المدن والأرياف، والتي تساهم أيضا في رتق النسيج الإجتماعي بين ثقافات جنوب السودان الممتدة. وللمواصلات أهمية قصوى في محاربة الظواهر المجتمعية الفاسدة كالبطالة، حيث يمكن توظيفها كمصدر دخل للحكومة وذلك عبر صندوق الضرائب، خصوصا أن لها دخل لا يمكن أغفاله بتاتاً قد تساهم في خفض نسبة البطالة التي تؤدي في أسوأ الحالات إلى تفشي ظواهر أخرى كالجريمة.
ما أنا بصدده قد يغضب البعض منكم وقد يتهمني الآخر بأنني أنشر مجرد أكاذيب ضد بعض الجهات الحكومية (شرطة المرور، مجلس بلدية جوبا، نقابة سائقي البودا) هذه الجهات الثلاثة يمكن اعتبارها كابوس واقعي بالنسبة لسائقي البود بودا طيلة اليوم منذ شروق الشمس وحتي غروبه.
من هم سائقي البودا بودا؟
هم شريحة من الشباب جزء كبير منهم يحملون المؤهلات العلمية والأكاديمية التي يمكن لهم أن يحصلوا بها وظائف محترمة في أي مكان آخر. ولكن أجبرتهم ظروف الحياة القاسية وأهمال الحكومة وتقاعسها عن أداء واجباتها تجاه المواطن الجنوبي حيث لم يترك لهذه الشريحة الحالمة مجالاً سوى الإنخراط في الأعمال اليومية المتمثلة في البودا وبعض الأعمال الهامشية الأخرى ، وأنا هنا بصدد الحديث عن سائقي البودا والتحديات الذي يتعرضون لها بشكل يومي والتي تلعب الجهات الحكومية دورا فيها ، بعد أن إستقلت جنوب السودان وأصبحت دولة لها شأن خاص، حدثت طفرة جديدة في وسائل المواصلات وذلك بظهور وسائل نقل أخرى (الدراجات النارية) والفضل يعود للإخوة القادمين من دول الجوار خاصة شرق أفريقيا التي يعتبر البودا من أهم وسائل مواصلات في العديد من الدول مثل تنزانيا، بورندي، أوغندا، كينيا... وغيرها من الدول.
و لأن الدراجات تتناسب مع الأماكن ذات التضاريس والشوارع الوعرة وبعد الإنفصال شقّت وسيلة النقل البودا طريقها كمهنة مزاولة بإعتماد كامل ولم يكن حينها لسكان الجنوب أي دراية بأن إستخدام الدراجة النارية (البودا) كوسيلة نقل و مصدرا لجني المال، و نجحت البودا في فترة وجيزة من إستقطاب العديد من أبناء الكادحين ومناطق الهامش الجنوبي بعد أن تخلت عنهم الدولة وركلتهم صوب أرصفة العطالة بالرغم من أن الدولة ما تزال وليدة و بحاجة لكل فرد من شعبها كي يساهم في تقدم البلاد ونماءه، ولكن ثمة جهات داخلية إختارت ركلهم خارج دوائر التوظيفية وكانت مهنة البود بودا هي الملاذ الأول والأخير لعديد من طلبة الثانويات وخريجي الجامعات والأساتذة ومنتسبي المؤسسات الحكومية بشقيها المدني والعسكري بعد أن تخلت الحكومة عن واجباتها تجاه المواطن وموظف الدولة.
الجانب الإيجابي والسلبي لمزاولة مهنة البودا:
بالعمل كسائق بودابودا وجدت أن جوانب إيجابية كثيرة؛ منها ما يمكن أن يجنيه المرء من خلال ممارسة المهنة يكفي الإحتياجات الأسرة اليومية ويكفي أيضاً لمصروفات الأخرى وفي الفترات ما قبل الأزمة كانت البودا مصدرا لدخل، وهناك جوانب أخري حيث البودا يشكل حلقة الوصلة ما بين السكان حيث خلقت نوعا من الترابط يمكن أن تساهم في رتق نسيجنا الإجتماعي الممزقة، خلال مزاولتي لمهنة البودا و لا زلت امتهن هذه المهنة، تعرفت علي ثقافات أخري من جنوبنا الحبيب، وكونت صداقات وزمالة مع أناس من مجتمعات الأخرى وتيقنت إننا نعيش في ظل مجتمع متمسك نوعا ما، وفي نظري أرى بأن ثمة ما يربط سائقي البودا وهي روح التمسك لأن سائقي البودا من جميع ثقافات الجنوب وتشترك في معاناة واحدة بسبب تقاعس الحكومة، لعبت مهنة البود بودا دورا في تقديم الخدمة للمجتمع وأيضاً تعتبر مصدرا هامة لضرائب اذا ما نظمت.
النظرة السالبة من قبل بعض المواطنين علي أن سائقي "البودا" معظمهم لصوص ومجرمين، فاقدي التربية والكثير من المفاهيم السائدة بأذهان الكل، نتعرف بأن البعض منا مسؤول عن ترسيخ هذه الإنطباع لدى الناس عبر الممارسات الغير أخلاقية التي يرتكبونها، ولكن لا يمكن لشخص عاقل أن يلصق تهمة لمجتمع سائقي البودا دون العودة لطبيعة نشاة وتطور المهنة حيث هؤلاء يمكنك القول بأن 75% من طلبة وخريجي الجامعات و موظفي الدولة، ولا يمكنني الإنكار بأن هناك عناصر مجرمة تتخذ من البودا غطاء لممارسة أعمالهم الإجرامية وكل ذلك يعود لضعف الأجهزة المناطة بها محاربة مثل هذه الظواهر أو أن الجريمة قد تغلغلت داخل الأجهزة الشرطة ومثال علي ذلك ظاهرة (التورنتو) حيث يمكن القول بأن جهات أو أفراد داخل أجهزة الشرطة لديها تعامل خفي مع هؤلاء ولكن في الأخير يتم رمي الإتهام على عاتق سائقي على إنهم هم الذين يرتكبون مثل هذه الجرائم ، وأضرار البودا كثير منها الصحية والجسدية حيث يعتبر البودا المسبب لعديد من الأمراض الصدرية من الأتربة وأدخنة عوادم السيارات التي يستنشقها السائق وأمراض مزمنة أخرى تؤثر بطبيعة العمل العين والجيوب الأنفية.. وفي معظم الحالات فإن البودا المسبب الأول لعاهات جسيمة وأيضا الموت في حالة التعرض لحادث مروري أو النهب المسلح، ويحدث يوم تلو آخر.
التحديات التي تواجه سائق "البودا" في الطرقات وأسواق جوبا، بلدية جوبا، نقابة البود بودا، إدارة المرور الثلاثة الجهات المذكورة أعلاه لديها عداء سافر مع سائقي لا أدري لماذا؟
1/ نقابة سائقي البود بودا وبلدية جوبا تحالف الشر
النقابة هي جهة خدمية، ولها أدوار مهمة داخل المجتمع أولها تحسين بيئة العمل وتعزيز المصالح المشتركة فيما بينها، ومتابعة قضايا وشكاوي الأعضاء وتنظيم عمل المواصلات داخل المدينة وخارجها، والبلدية هي الجهة المناط بها تنظيم سير العمل في الأسواق وحتي تنظيم عمل المواصلات وتحديد مسارات لسائقي المواصلات وتنظيم المحطات بصورة التي تليق ببيئة العاصمة.
تعريف بسيط جدا ولكن في حالة النقابة حيث ظروف تأسيسها بها الكثير من الغموض وهناك أسئلة كثيرة (متي تم تأسيس النقابة، وده منو رئيس نقابة وأسئلة كثيرة) ولتكوين أي جسم نقابي لازم يكون في إنتخابات وتصويت وجمعية عمومية ودستور.
هناك تحالف ما بين البلدية ونقابة البود بودا المتمثلة في شخصية رئيس النقابة، حيث كل صباح نجد عمليات مداهمة لمحطات الوقوف وخاصة في سوق كاستوم و سوق كنجوكنجو مع غياب ملحوظ للحملة في سوق جوبا، حيث يتمركز بضعة رجالات الشرطة وآخرين يرتدون نظارات شمسية في أزقة السوق يقوموا بحجز المواتر ومن ثم الذهاب إلى المكتب حيث إجراءات إستخراج بطاقات العضوية غصبا عنك ودفع ما لا يقل عن ألفين وسبعمائة جنيه للوطني والأجنبي يدفع أكثر ورسوم الإشتراك الشهري وهنا سؤال يطرح نفسه: من الذي أعطى لهذا الشخص الحق في رئاسة نقابة بودابودا لماذا يحيط نفسه دائما بسرب من أفراد (بوليس وعسكر و بعض الأفراد من جهات أمنية).
لست ضد التنظيم ولكن هنالك أشياء تثير قلقي وحيرتي في الآن نفسه، إن نقابة غير شرعية و تقوم بجمع الضرائب من سائقي البودا بالتعاون مع بلدية جوبا والسؤال الذي يثير حيرتنا من زمان قروش بتاع ناس بودا ديل ماشي وين، منذ تكوين هذه النقابة المشوهة لم نري لها دور في حلحلة قضايا سائقي البود بودا حيث يتعرض هؤلاء بشكل يومي الي حوادث مرورية و السطو والنهب وعمليات القتل دون ان نري لنقابة أثر ، في حين أن هناك مبالغ خاشي الخزينة كل يوم من هنا أري أن هذه نقابة أهدافها ربحية بحت دون التطرق لقضايا سائقو بودا.
كان من الممكن ان تلعب النقابة دورا مثلا تنظيم محطات دائمة و توفير خوذات و كروت التأمين الصحي و أيضأ المساهمة في توفير مواتر في حالة تعرض أحدهم لعملية النهب، وايضا إقامة ورشة عمل لتوعية و الكثير من الاشياء ولكن لم نري لنقابة انجازا سوي توزيع خوذات الأمم المتحدة و غير ذلك لا شئ يذكر.
2/ إدارة المرور
حسب الخلفية المعروفة عامة فإن إدارة المرور هي الجهة المخول لها تنظيم سير المواصلات في الدولة وسن القوانين المرورية رادعة لمرتكبي المخالفات ولها أدوار في حياتنا اليومية منها حماية المارة وتوفير الأمن للسائقين في الطرقات وتسهيل حركة سير في حالات الإختناق المروري، ولكن في السنوات الفائت درجت إدارة المرور علي أصدار أوامر عجيبة منها يجب علي سائقي البودا عدم الوقوف أمام الفنادق والبنوك وحددت لها مسارات داخل المدينة.
وقد درجت إدارة المرور علي شن حملات لضبط المواتر والعربات الغير مرخصة وأيضا المنتهية الترخيص في شوارع جوبا ولكن ما يدعو للاستغراب المبالغ الطائلة حيث تتراوح استخراج اللوحة لموتر حوالي (30,000 - 27,000 ألف جنيه جنوب سوداني) رسوم تجديد حوالي (16 ألف جنيه أو أكثر) لماذا كلها هذه المبالغ دون مراعاة ظروف الإقتصادية، ومع العلم أن تلك هي الخدمات التي تقدمها الحكومة لمواطن علي سبيل المثال (الجنسية والبطاقة الشخصية).
ومن يتجول في طرقات جوبا هذه الأيام سيري بأم عينه رتل من منتسبي المرور برفقة الشرطة العسكرية يجوبون الشوارع في حملة لضبط سائقو البودا الذين لا يحملون التراخيص التي أصدرتها إدارة المرور قبل فترة وهي عبارة عن شهادة إمتحان القيادة والتحكم رغم أن هذا من واجب إدارة المرور الحرص على السلامة المارة والسائق في الطريق ولكن طريقة ضبط المواتر هذه الأيام وما يشوبها من عمليات إستغلال سيئة جدا للسلطة و شفط الأموال من سائقي البودا بحجة الرخصة أو عدم وجود المرايات أو أرتدي الخوذة الواقية والجزمة، إنها من الأساسيات الوقائية لحركة المرور، ولكن هذه الحملات كما تبدو قد تحولت لعمليات ملأ الجيوب بالمال ليس إلا و أصبح سائقي بودابودا مصدرا للإعاشة
و قد خرج إلينا قبل أيام الناطق الرسمي بإسم الشرطة على أن الشرطة في قادم الأيام ستشن حملة لضبط المواتر الغير المرخصة و التي لا تحمل أوراق رسمية و لوحات و أيضا عربات المظللة بالرغم أن الشرطة درجت علي تنظيم حملات يومية و الغرض الحقيقي ليس ضبط المواتر و إنما أصحاب المواتر صاروا مصدرا للإعاشة و الكل يعلم ما يحدث اذا وقعت في قبضة شرطي تابع للمرور لن يتركك أن تذهب كما أتيت لأنه يري فيك مصدر اعاشته في ظل الوضع الإقتصادي الطاحن و في ممارسات اخري يعلمه الكل، برغم ان هناك عناصر شرفاء من منتسبي شرطة المرور يؤدون واجباتهم بكل أمانة وإخلاص و لم يمتد يدهم لأخذ مال من المواطن و كانوا بذلك حريصين أن يظلوا شرفاء أنقياء برغم الأوضاع الإقتصادية الطاحنة.
ومن هنا أطالب إدارة المرور بخفض قيمة استخراج اللوحات وإلزام عناصرها الفاسدة بضرورة الإلتزام ب" الإيصال المالي الرسمي" وأيضا محاربة ظاهرة الإستغلال السيء للسلطة الممنوحة لهم وعلى إدارة المرور محاربة ظاهرة الرشاوي التي انتشرت بين عناصرها و دليل على ذلك الصورة التي انتشرت قبل فترة على وسائل التواصل الإجتماعي وإيقاف الحملات العشوائية التي تسبب في كثير من الأحيان حوادث قاتلة.
أترك بعض الأسئلة الحائرة لكم على أمل أن أجد إجابات شافية:
لماذا سمحت بلدية جوبا لهذه النقابة بأن تمارس أعمالها تحت غطاء وحماية البلدية؟
الغرامة المالية "الإيصال المروري" كم قيمتها بالتحديد؟
هل سائقي بودابودا مصدرا للإعاشة؟
من الذي أعطى الحق لتلك الشخصية الأحقية في تولي رئاسة نقابة وتكوينها؟
لماذا تتعاون إدارة البلدية مع هذه النقابة المشبوهة والتي لا تمثل إرادة سائقي بودابودا؟
ومن هذه المنصة أناشد كل الجهات المعنية بضرورة فرض رقابة مشددة على السلوكيات الإجرامية لبعض منتسبي الشرطة وإعادة هيكلة وحداتها المنوط بها خدمة المواطن وعلى السيد عمدة بلدية جوبا بضرورة النظر في قضايا سائقي البودا، كما حاولنا عدة مرات مقابل سيادتك ولكن يبدو إن قضايا سائقي البودا بعيدة عن جدول أعمالك.
اننا نتكوي بنيران الإستغلال السئ كل يوم، و أنتم خلف ابواب موصدة بينما افراد من الشرطة يعيثون فسادا ويفرضون جبايات خرافية على الكادحين من أبناء هذا الوطن الذين عانوا بما فيه الكفاية.
أخيرا:
يتزايد عدد سائقي بودابودا كل يوم في ظاهرة توحي بأن ثمة أمور خاطئة تحدث داخل دوائر الحكومة، أزمة البطالة وأسئلة كثيرة تتناسل عن ذلك فما العمل في ظل الإهمال الحكومي المتعمّد؟
جوبا ٢٠٢١م
إعادة نشر
إلى سيد الوالي و العمدة و الجهات المعنية لسنا مشروع اعاشة.