
14/09/2025
حماية الإنجاز الأممي.. مسؤولية وطنية فلسطينية شاملة
بقلم : عارف لوباني .
13 ايلول 2025
وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة اول امس (الجمعة) على بيان قدّمته فرنسا والمملكة العربية السعودية، يدعو إلى "التطبيق السريع" لحل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين. حظي الاقتراح بدعم ١٤٢ دولة، بينما عارضته عشر دول أخرى، من بينها الولايات المتحدة، وامتنعت ١٢ دولة عن التصويت. من بين الدول الأوروبية، كانت المجر الدولة الوحيدة التي عارضت الاقتراح، بينما امتنعت جمهورية التشيك عن التصويت. أما باقي الدول، فقد صوتت لصالح الاقتراح.
هذا التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح إقامة دولة فلسطينية يحمل أبعادًا سياسية ورمزية كبيرة، وتأثيره يختلف باختلاف الأطراف:
أولًا: بالنسبة لإسرائيل
- انتكاسة دبلوماسية : التصويت يعكس عزلة متزايدة لإسرائيل في المحافل الدولية، خاصة على ضوء دعم القرار من جانب معظم الدول الغربية.
- فشل حكومة التطرف والابادة الجماعية : يُظهر فشل سياسة نتنياهو في كبح الاعتراف الدولي بالفلسطينيين، في ظل استمرار حرب الابادة في غزة والتصعيد الاستيطاني في الضفة.
إسرائيل ستحاول بكل قوتها كبح هذا التطور ، لكنها لن تستطيع إلغاء نتائجه ، لأسباب تتعلق بتغير الموقف الدولي وتزايد العزلة الأخلاقية حولها.
كيف ستحاول إسرائيل كبح هذا الانجاز الفلسطيني حتى ولو كان رمزيا :
1. ممارسة ضغوط على الدول التي أيدت التصويت
عبر التهديد بقطع العلاقات أو تقليص التعاون الدبلوماسي.
2. تصعيد ميداني
في الضفة وغزة لتخريب أي مناخ سياسي إيجابي، وخلق حالة طوارئ أمنية تُبرر تغييب المسار السياسي.
3. استخدام عقوبات على السلطة الفلسطينية والتضييق
عليها مثل احتجاز أموال المقاصة أو تقليص التصاريح .
4. التحريض في المحافل الدولية
خاصة عبر حلفائها في واشنطن، للتشكيك بـ"أهلية" الفلسطينيين لبناء دولة.
ثانيًا: بالنسبة للفلسطينيين
- دعم معنوي وسياسي : القرار لا يُنشئ الدولة فعليًا، لكنه يعزز الرواية الفلسطينية ويمنحها شرعية دولية.
- المطلوب فلسطينيًا حالياً هو تفعيل نضال دبلوماسي وميداني مزدوج ، يترجم هذا الإنجاز الرمزي إلى مكاسب سياسية وواقعية:
أولًا: النضال الدبلوماسي
1. طلب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
- عبر مجلس الأمن، حتى لو اصطدمت بالفيتو الأميركي، فمجرد الطرح يُحرج واشنطن ويكشف الانحياز.
- الانضمام لمزيد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية .
2. تفعيل المحاسبة الدولية لإسرائيل
- من خلال المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، خاصة في جرائم الحرب بغزة والاستيطان.
3. تعزيز الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية
- التأثير على الدول الأوروبية المترددة للاعتراف الرسمي بفلسطين كدولة كاملة السيادة.
4. توسيع العلاقات الدولية خارج الغرب أيضاً .
5. مواجهة التطبيع الزائف عبر
حشد الرأي العام العربي ضد موجات التطبيع التي تتجاهل الحقوق الفلسطينية.
ثانيًا: النضال الميداني :
1. توحيد الصف الفلسطيني
- إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة بين الضفة وغزة تحت برنامج وطني موحد يعكس إرادة الشعب.
2. تعزيز المقاومة الشعبية السلمية
- خاصة في المناطق المهددة بالمصادرة والاستيطان مثل الخليل ونابلس.
3. التوثيق الميداني للجرائم
- جمع الأدلة وتوثيق الانتهاكات بشكل ممنهج يخدم المعركة القانونية والسياسية.
4. تمكين المجتمع الفلسطيني
لدعم صمود المواطنين في القدس، والمناطق (ج)، والمخيمات، عبر مشاريع إغاثة وتنمية وحماية.
5. إعلام شعبي ومهني فعال
يواكب التحركات ويوصل الرواية الفلسطينية للعالم بلغات متعددة.
وكل هذا التحرك يهدف إلى ربط الاعتراف الدولي بالفعل الميداني لإجبار الاحتلال على التراجع، وإقناع العالم بأن الفلسطينيين لا يسعون إلى قرار رمزي، بل إلى دولة حقيقية على الأرض .
ثالثًا: بالنسبة لمساعي السلام :
- إشارة لمجتمع دولي يراقب الممارسات الاسرائيلية وبات يرى أن حل الدولتين يحتاج لخطوة فعلية، لا مجرد مفاوضات بلا نهاية.
- التأثير على الدول المترددة للموازنة بين دعم إسرائيل واحترام القانون الدولي.
على ضوء أهمية هذا الإنجاز لابد من القول بأن كل قرار دولي يخص قضيتنا مهما كانت رمزيته يبقى حبراً على ورق إن لم تدعمه الإرادة الوطنية والضغط الشعبي، والمطلوب فلسطينياً لحماية هذا الإنجاز .
1. القيادة الفلسطينية :
- مطلوب منها التحرر من الحسابات الضيقة ، واستثمار القرار بطرح العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
- يجب أن تتحرك بسرعة لتحريك الملفات القانونية ضد الاحتلال، وخاصة العدوان على غزة والاستيطان .
- الأهم: البدء فورًا بإنهاء الانقسام
وبناء وحدة وطنية حقيقية.
2. الفصائل:
- على الفصائل أن تُدرك أن اللحظة تتطلب لغة وطنية موحدة، لا مناكفات.
- القرار الأممي ليس انتصارًا لجهة دون أخرى، بل رافعة للجميع نحو تحقيق أهداف مشتركة.
3. الشعب الفلسطيني في الداخل:
- في داخل الخط الأخضرعليه أن يستمر في نضاله
المدني-السياسي الذي يتمحور حول مقاومة التمييز العنصري، والدفاع عن الهوية الوطنية، والسعي لتحقيق المساواة الكاملة في الحقوق والجمع بين العمل البرلماني، والنشاط الجماهيري، والثقافي، والقانوني، في مواجهة سياسات الإقصاء والتهميش ومصادرة الأرض، مع التأكيد على الانتماء للشعب الفلسطيني وقضيته ودعم قيام دولة فلسطينية مستقلة.
- في غزة والضفة والقدس على الشعب الفلسطيني ،ان يستمر
في نضاله التحرري الوطني مستخدما كل أنواع المقاومة الشرعية التي يتيحها له القانون
الدولي ضد الاحتلال العسكري والاستيطان والتهويد سعياً لنيل الحرية وحق تقرير المصير .
ثالثًا: الفلسطينيون في الشتات.. خط الدفاع الخارجي:
نضال الشتات الفلسطيني اليوم من أجل إقامة دولة مستقلة هو
نضال سياسي وإعلامي وحقوقي، يرتكز على الحفاظ على الهوية الوطنية، والدفاع عن حق العودة، وحشد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية.
و يمارسه الفلسطينيون في المنافي من خلال العمل الدبلوماسي، والنشاط الجماهيري، والتأثير في الرأي العام العالمي، ويشكّل حلقة مهمة في دعم النضال الداخلي وربط القضية بسياقها العربي والدولي.
يستطيع الشتات العمل على تحريك الرأي العام، والضغط على ،
الحكومات والتواصل مع البرلمانات، والإعلام،
- والعمل على تنظيم فعاليات سياسية وثقافية لتعريف الشعوب بقرار الأمم المتحدة، وللمطالبة بتطبيقه.
- مخاطبة العالم بلغاته عبر الإعلام الرقمي والنخب الثقافية .
رابعًا: الإعلام والنخب الفلسطينية :
- يجب إنتاج
رواية إعلامية موحدة وقوية تشرح أهمية القرار وتفند التشويه الإسرائيلي.
- على الكتّاب والصحفيين والمثقفين لعب دورهم في تحويل الحدث إلى ثقافة نضالية يومية
خامسًا: مسؤولية الشباب :
جيل الشباب، داخل فلسطين وخارجها، هو وقود المرحلة القادمة .
عليهم قيادة المبادرات، الحملات الرقمية، والفعاليات الشعبية.
فهم الأقدر على بناء جسور تواصل مع العالم بلغة العصر.
القرار الأممي خطوة في مسار طويل ومعقد. لا يُسقط الاحتلال، ولا يفرض الدولة، لكنه يمثل رصيدًا سياسيًا ومعنويًا كبيرًا يجب استثماره بذكاء وإصرار.
الكرة الآن في الملعب الفلسطيني: فإما أن نحول هذا القرار إلى نقطة ارتكاز لتأكيد المشروع الوطني الموحد، أو نتركه يُضاف إلى قائمة الفرص الضائعة.
والفرصة الآن، والتي جاءت بعد نضال طويل يجب أن لا تضيع.
إسرائيل ستفعل ما بوسعها لكبح هذا التطور، لكن نجاحها ليس مضمونًا. إنها لحظة فارقة، وإذا أحسنا كفلسطينيين إدارتها، فإنها يمكن أن تكون نقطة تحوّل في مسار الصراع.
التصويت ليس نصرًا بحد ذاته، بل نافذة من الضروري التمسك بها حتى لايفوت قطار التاريخ ونصل ألى إقامة دولتنا المستقلة على أرضنا التاريخية .