جريدة صوت الشعب

جريدة صوت الشعب جريدة صوت الشعب يصدرها حزب العمال
http://www.sawt-achaab.tn/

جريدة صوت الشعب يصدرها حزب العمال
للتواصل : [email protected]
رقم الهاتف : 71283360
رقم الفاكس:71283365
العنوان :نهج شكيب ارسلان عدد 1 .1002 تونس
------------------------------------------------------------
تأسست جريدة "صوت الشعب" في جانفي 1986. وهي جريدة حزبية تابعة لحزب العمال.
وقد صدرت وقتها في السريّة (بمعدل عددين اثنين كل شهر) بسبب التضييقات التي كانت مفروضة على إصدار الصحف. وحتى بعد ال

إطاحة بالرّئيس بورقيبة من طرف زين العابدين بن علي في 07 نوفمبر 1987 واصلت جريدة "صوت الشعب" صدورها في السريّة إلى حدود سنة 1989 حين رخّصت وزارة الداخلية لحزب العمال بإصدار صحيفة "البديل" التي عوضت "صوت الشعب" السرية. لكن سرعان ما تم إيقاف جريدة "البديل" بعد إصدار قرابة عشرين عددا بمعدل عدد كل أسبوع.
فعادت "صوت الشعب" للصدور في السرية من جديد، وتواصل صدورها في السرية بدون انقطاع إلى حدود جوان 2011 حين تحصلت "صوت الشعب" على ترخيص قانوني وأصبحت تصدر في العلنية بمعدّل عدد كل أسبوع.
لقد كانت "صوت الشعب" في عهد بورقيبة وفي عهد بن علي، جريدة سرية ممنوعة يعاقب كل من يثبت أن له علاقة بها سواء كتابة أو ترويجا أو قراءة بعقوبة قد تصل إلى عديد السنوات. وقد تعرض بسبب ذلك العديد من العاملين فيها إلى الملاحقة والتعذيب والسجن والحرمان من أبسط الحقوق.
ولكنها رغم ذلك صمدت في وجه القمع والمنع والمصادرة وحافظت على دوريّة صدورها طيلة ما يقارب الرّبع قرن. وهي تعتبر الجريدة السرية الوحيدة في تونس التي صمدت في وجه القمع كل هذه السنوات.
تعتمد جريدة "صوت الشعب" على المتطوعين في تحريرها وتوزيعها.
فأغلب الصحافيين الذين يعملون فيها حاليا هم من المتطوعين ويتقاضون أجورا رمزية. كما أن الجريدة تعتمد في توزيعها على مناضلات ومناضلي حزب العمال، ويقع بيعها "بيعا نضاليا" ، حيث يقوم عدد من مناضلات الحزب ومناضليه ببيعها في الأماكن العامة.
تعاني جريدة "صوت الشعب" من قلة الموارد المالية بسبب ضعف المبيعات وحرمانها من الإشهار العمومي.
وهذا يعود أساسا إلى الفوضى التي عليها قطاع الإعلام حاليا وخاصة في علاقة بالتوزيع وبالحصول على الإشهار العمومي والخاص.
فليست هناك قوانين واضحة تنظم هذا القطاع ومازالت عقلية الزبونية و"الأكتاف" والولاءات السياسية والمالية وغيرها هي التي تحكم هذا القطاع.

 ، سلسلة جديدة - العدد 105، الجمعة 28 نوفمبر 2025لقراءة العدد انقر على الرابط التالي :https://drive.google.com/file/d/1Z...
30/11/2025

، سلسلة جديدة - العدد 105، الجمعة 28 نوفمبر 2025
لقراءة العدد انقر على الرابط التالي :
https://drive.google.com/file/d/1Z_XGS4hXp3asJ3tHsol6lSL6lxcnDi0O/view?usp=sharing
تابعونا على قناة تلغرام: https://t.me/sawt_echaab
محتوى العدد :
* افتتاحية:
الاستبداد يتمدّد ولكنّه يحفر قبره بنفسه
* صوت الوطن:
- المسرحيون يعلنون القطيعة: عصيان مفتوح في وجه دولة خانت ثقافتها وخريجيها
* صوت المرأة:
- العنف مظهر ملازم للأنظمة المبنية على الاستغلال
- نساء تونس في حاجة إلى خيارات جديدة تضمن لهنّ الحرية والكرامة
* صوت فلسطين:
- في ذكرى 29 نوفمبر 1947: غزة ومقاومتها تقاوم الاحتلال وكل مؤامرات التقسيم
- رفض فلسطيني واسع للقرار الأمريكي بمجلس الأمن: أداة للوصاية وشراكة دولية في إبادة شعبنا
* الصوت العربي:
- طبول الحرب تدقّ على لبنان
* صوت العالم
- فساد الديمقراطية الأمريكية
- خطة ترامب للسلام في أوكرانيا: صفقة جديدة في ثوب سلام

 : استفتاء الاكوادور: رفض شعبي شامل لعودة القواعد الأمريكية إلى البلادبقلم مرتضى العبيديعاشت الاكوادور يوم السادس عشر من...
29/11/2025

: استفتاء الاكوادور: رفض شعبي شامل لعودة القواعد الأمريكية إلى البلاد

بقلم مرتضى العبيدي

عاشت الاكوادور يوم السادس عشر من الشهر الجاري على وقع استفتاء دستوري دعت إليه حكومة “دانيال نوبوا” في مناخ يتّسم بالتشنج والتصعيد داخليا وإقليما وعالميا. وكان “نوبوا” يطبّق منذ وصوله إلى سدّة الحكم سنة 2023 سياسة نيوليبرالية وحشية أثقلت كاهل الطبقة العاملة وبقية الفئات الشعبية. وقد عبّرت هذه الأخيرة عن رفضها لهذه السياسة وخاضت نضالات متعددة للدفاع عن مكاسبها وللمطالبة بتحسين أوضاعها التي كانت تتدهور بسبب الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد.

ومنذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وارتماء “نوبوا” في أحضانه، أصبح يستعجل “الإصلاحات” التي تضع البلاد نهائيا وكليا تحت سطوة البورجوازية المحلية العميلة، خادمة الشركات متعددة الجنسية، وفسخ آثار المكاسب التي فرضتها شعوب الاكوادور في ظل فترة حكم “رافائيل كورّيا” (2007-2017). لذلك اختار “نوبوا” ما اعتقد أنه الطريق الأقرب أي التحوير الدستوري عبر الاستفتاء.

الهدف من الاستفتاء

لذلك يُشتمّ من هذا الاستفتاء رائحة تحالف “نوبوا” مع الولايات المتحدة في ما تدّعيه من عزم على “مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر والمخدرات” كخلفية لهذه التعديلات الدستورية المقترحة، والتي طُرحت للتصويت عليها من قِبل الإكوادوريين في 16 نوفمبر 2025.

وقد طُرحت أربع أسئلة (أ، ب، ج، د) على المواطنين الإكوادوريين

يتعلق السؤال (أ) بتعديل المادة 5 من الدستور: “هل توافق على ضرورة إزالة الحظر المفروض على إنشاء قواعد أو مرافق عسكرية أجنبية لأغراض عسكرية، وعلى نقل القواعد العسكرية الوطنية إلى قوات مسلحة أو قوات أمنية أجنبية، من خلال تعديل جزئي للدستور، وفقًا لملحق السؤال؟”ويبرّر الملحق أن هذا التعديل يأتي من أجل تعزيز التعاون الدولي ضد الجريمة العابرة للحدود الوطنية، وأن الهدف منه هو إزالة الحظر الذي أدخله “رافائيل كورّيا” في الدستور عام 2008: فعند توليه منصبه، لم يكتفِ بتعليق التعاون مع واشنطن، بل كرّس أيضًا في الدستور حظر وجود قواعد عسكرية تابعة لدول أخرى على الأراضي الإكوادورية.
أمّا السؤال (ب) فيهدف إلى استبدال المادة 110 من الدستور: “هل توافق على إلغاء التزام الدولة بتخصيص موارد من الميزانية العامة للمنظمات السياسية من خلال إصلاح جزئي للدستور، وفقًا لملحق السؤال؟” ويشرح الملحق أن الهدف هو إيقاف تمويل الدولة لعمل ونشاط المنظمات السياسية، والتي يتمّ تمويلها من ثلاثة مصادر مختلفة: أولاً، صندوق الحملات الانتخابية ؛ ثانيًا، صندوق مساعدة الأحزاب ؛ وثالثًا، المساهمات الخاصة.
أمّا السؤال (ج) فيهدف إلى استبدال المادة 118 المتعلقة بعدد نواب البرلمان: “هل تؤيد تقليل عدد أعضاء الجمعية وانتخابهم وفقًا للمعايير التالية: 10 أعضاء يُنتخبون على الصعيد الوطني ؛ عضو واحد لكل مقاطعة؛ وعضو إقليمي إضافي واحد لكل 400000 نسمة مسجلين في آخر تعداد وطني؟” والهدف هو خفض عدد أعضاء البرلمان إلى النصف، من 151 إلى 73. في الإكوادور، تمارس السلطة التشريعية من قبل برلمان بغرفة واحدة، يسمى الجمعية الوطنية، ويتألف من 137 عضوًا في عام 2021 و151 في عام 2025، ويتمّ انتخابهم لمدة أربع سنوات بالاقتراع العام المباشر ويكون مؤهلاً لإعادة الانتخاب مرة واحدة فقط، حيث يختلف حجمه وفقًا للتطور الديموغرافي للبلاد (المواد 118 وما يليها من الدستور).
من ناحية أخرى، يتكوّن السؤال (د) من استشارة شعبية تهدف إلى الموافقة على دعوة لجمعية تأسيسية لتغيير الدستور: “هل توافق على الدعوة لانتخاب جمعية تأسيسية، ينتخب الشعب الإكوادوري ممثليها، وفقًا للقواعد الانتخابية المنصوص عليها في النظام الأساسي التأسيسي المرفق، من أجل صياغة دستور جديد للجمهورية، والذي لن يدخل حيز النفاذ إلا إذا وافق عليه الشعب الإكوادوري لاحقًا في استفتاء؟”

إذ أن “دانييل نوبوا” يدّعي أن الدستور الحالي، أي دستور سنة 2008 ، لا يسمح له بتنفيذ السياسات اللازمة لمكافحة العصابات والاتجار بالمخدرات وأنشطة الجريمة المنظمة الأخرى.

وبداية من شهر أوت، نشطت مؤسسات استطلاع الرأي إلى حدود أسبوعين قبل الاستفتاء، التي تباينت لديها نتائج الاستطلاعات وأظهرت انقسامًا بين مؤيد للحكومة ومتردد بشأن خطة عقد جمعية تأسيسية.

وخلال الحملة الانتخابية، نشطت الأحزاب والمنظمات الديمقراطية والثورية لا فقط للدعوة إلى التصويت بـ “لا” على الأسئلة الأربعة، بل وخاصة لشرح أبعاد ذلك. وقد توجه الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني بالاكوادور إلى الناخبين بالنداء التالي:

“لا تمنحوا مزيدًا من السلطة للديكتاتور التافه

بعد أيام قليلة، ستتوجه البلاد إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في استفتاء تُقدمه الحكومة على أنه ممارسة ديمقراطية وحلٌّ لمشاكل وطنية كبرى.

إلا أن الأسئلة المطروحة بعيدة كل البعد عن تلبية الاحتياجات الحقيقية للشعب والبلاد. بل على العكس، إنها مناورة سياسية يسعى من خلالها دانيال نوبوا إلى ترسيخ سلطته، بهدف ترسيخ السياسات غير الشعبية التي يطبقها منذ اليوم الأول لرئاسته.

ستكون لنتائج الاستفتاء تداعياتٌ هائلة، فورية وطويلة الأجل. إذا فاز نوبوا، فسيعتبر ذلك تفويضًا مفتوحًا لمواصلة رفع أسعار الوقود، وإلغاء خدمات الرعاية الصحية في مؤسسة التأمينات الاجتماعية (كما أعلن قبل أيام قليلة عبر الإذاعة والتلفزيون)، وإلغاء مجانية التعليم الجامعي، واستئناف عمليات التسريح الجماعي في القطاع العام، والسماح بالتعدين في المناطق المحمية حاليًا، وإلغاء حقوق العمال والشعب، من بين إجراءات أخرى.

إذا تحقق هذا السيناريو، ستتدهور ظروف معيشة العمال والشعب أكثر، وستصبح الإكوادور “شركة خاصة” للبرجوازية الكبيرة وأصحاب رأس المال الدولي. لكن العمال والشعب لن يسمحوا بحدوث ذلك. يتزايد يوميًا عدد الإكوادوريين الرافضين للحكومة بسبب سلوكها الاستبدادي، ونكثها بوعودها، وعجزها عن حل المشاكل الخطيرة التي يعاني منها الشعب والبلاد، ولأنها حوّلت الإدارة الرئاسية إلى أداة لخدمة مصالح شركات عائلتها ومجموعتها.

بنفس القوة التي حارب بها شعبنا الحكومة في الشوارع، علينا الآن مواجهتها في صناديق الاقتراع.

التصويت بـ”لا” يعني:

الدفاع عن الحق في الحياة.
الدفاع عن سيادة البلاد.
النضال من أجل الحقوق التي حققناها، والتي يريدون الآن القضاء عليها.
الدفاع عن الحق في الصحة العامة والتعليم.
منع خصخصة الضمان الاجتماعي.
بالتصويت بـ”لا”، نقطع الطريق على حكومة استبدادية معادية للشعب وخاضعة للإمبريالية”.

النتائج

ومساء يوم الاقتراع، أقرّ الرئيس دانيال نوبوا بالهزيمة. فقد توجه أكثر من 80% من الناخبين إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد 16 نوفمبر، وأجابت الأغلبية بـ”لا” على الأسئلة الأربعة التي طُرحت عليهم في الاستفتاء.

– هل يجب وقف التمويل العام للأحزاب السياسية؟ لا: 58%.

– هل يجب تقليص عدد أعضاء البرلمان؟ لا: 53.4%.

– هل يجب السماح للقواعد العسكرية الأجنبية (أي “الأمريكية”) بالعودة إلى الإكوادور؟ لا: 60٫6%.

– والسؤال الأهم: هل ينبغي الشروع في عملية دستورية لاستبدال الدستور الحالي، الذي صيغ خلال رئاسة رافائيل كوريا؟ لا: 61٫6%.

ومساء الإعلان عن النتائج، خرجت الجماهير تملأ الشوارع للتعبير على فرحتها بالنتائج المحققة.

قراءة في النتائج: رفض سياسات نوبوا الأمنية والتبعية لأمريكا

ظهرت معارضة واسعة ضد الإصلاحات التي اقترحها الرئيس دانيال نوبوا في استفتاء. وتُمثل هذه انتكاسة كبيرة لسياساته النيوليبرالية، والتي تُحبط أيضًا خطط دونالد ترامب في المنطقة. وقد أظهر الشعب الغاضب قوته في صناديق الاقتراع، ورفض تدمير البلاد.

في حين أن بلاده غارقة في أزمة أمنية غير مسبوقة، نتيجة سياسات أسلافه الليبرالية والمعادية للمجتمع، يشن نوبوا حربًا على عصابات المخدرات باتباع أساليب عسكرية أمريكية شمالية، وهي أساليب غير فعالة ولها تأثير مروع على حقوق الإنسان. لا شك أن التصويت بـ”لا” على إعادة القواعد العسكرية الأجنبية يكشف عن استياء واسع النطاق بين السكان من سياسات الحكومة الأمنية، وعلى تبعيتها المتزايدة للإدارة الأمريكية.

تمثل هذه الهزيمة المدوية أول انتكاسة كبيرة – منذ عامين في منصبه – للرئيس النيوليبرالي دانيال نوبوا، ولكن أيضًا للولايات المتحدة، التي أصبح أقرب حليف إقليمي لها.

في الواقع، مع تسجيل أعلى معدل جرائم قتل في تاريخ البلاد، بل وفي تاريخ أمريكا اللاتينية، تُستخدم مكافحة الجريمة المنظمة ذريعةً لفرض إصلاحات نيوليبرالية، برعاية صندوق النقد الدولي. ولكن أيضًا برعاية الولايات المتحدة، التي تُشيد بحماسٍ برغبته في تعميق التعاون الأمني بين البلدين، حيث أعرب نوبوا عن رغبته في عودة القوات الأمريكية الشمالية إلى الولايات المتحدة.

ففي السادس من نوفمبر، استقبل دانييل نوبوا وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية، كريستي نويم، لزيارة منشآت يمكن أن تستضيف قاعدة عسكرية أمريكية، إما في مانتا أو ساليناس، كما كان الحال بالفعل خلال العقد الذي سبق صعود رافائيل كوريا إلى السلطة. وفي مواجهة الانتقادات المتعلقة بمخاطر الأضرار البيئية، تم في النهاية استبعاد جزيرة بالترا، في أرخبيل جزر غالاباغوس، على الرغم من أهميتها الاستراتيجية.

إن رفض هذه العودة، الذي أُعلن عنه يوم الأحد، يمنع – في الوقت الحالي – البنتاغون من إعادة ترسيخ وجوده في قاعدته السابقة في مانتا، على ساحل المحيط الهادئ. هزيمةٌ لحقد واشنطن، في ظل تصاعد التوترات في أمريكا اللاتينية عقب الانتشار العسكري الأمريكي الواسع النطاق في البحر الكاريبي لتهديد فنزويلا.

وفي هذا السياق من التدخل الأميركي المتزايد، اختار الناخبون الإكوادوريون النأي ببلادهم عن العسكرة المتزايدة لما يسمى “الحرب على المخدرات” التي أطلقتها واشنطن، وأدان الحملة الإقليمية (العسكرية) التي أسفرت عن انتهاكات لحقوق الإنسان، وسقوط ضحايا من المدنيين، وقليل من النجاح في مكافحة الاتجار بالمخدرات.

رابط المقال على موقع : https://www.sawt-achaab.tn/31463/

  : سوريا بوابة المشروع الامبريالي الصهيونيبقلم علي البعزاويشكل نظام الأسد في سوريا أحد أذرع المقاومة، ولعب دورا في تشتي...
28/11/2025

: سوريا بوابة المشروع الامبريالي الصهيوني

بقلم علي البعزاوي

شكل نظام الأسد في سوريا أحد أذرع المقاومة، ولعب دورا في تشتيت جهود الكيان الصهيوني الذي اضطر للعمل على عدة جبهات في نفس الوقت، وعدم الاستفراد بالمقاومة في قطاع غزة. ورغم أن الجيش السوري كان خارج المعركة ولم يستطع الرد على الضربات المتتالية التي تلقاها، فيمكن القول بأنّ احتضان سوريا للفصائل الفلسطينية وتدفق السلاح عبرها نحو المقاومة اللبنانية والحيلولة دون توغل الجيش الصهيوني داخل التراب السوري مكّن محور المقاومة من الصمود وتسجيل بعض النقاط الهامة التي راكم من خلالها المكاسب، بمنع العدو الصهيوني من تحقيق أهداف الحرب، ما ساهم في تأجيج التناقضات الداخلية وخاصة الصراع الحاد بين المستوى السياسي والمستوى العسكري. لكن الجبهة السورية شكلت في نفس الوقت الحلقة الرخوة التي استطاع من خلالها العدو الصهيوني بعد إسقاط حكم عائلة الأسد بتخطيط من النظام التركي والامبريالية الأمريكية التوغل داخل الأراضي السورية وضرب البنية التحتية العسكرية ومحاصرة المقاومة اللبنانية من الجهة الشرقية ومنع تدفق السلاح القادم من إيران.

لقد شكل سقوط سوريا الذي تمّ مباشرة بعد اغتيال أمين عام حزب الله وبعض قياداته العسكرية والأمنية ضربة موجعة لمحور المقاومة. ويمكن القول بأنّ العد التنازلي بدأ منذ لحظة هذا السقوط حيث استطاع العدو الصهيوني التركيز على قطاع غزة والضفة الغربية في ظل تواطئ رسمي عربي رغم تواصل المساندة من طرف المقاومة اليمنية.

النظام السوري الجديد والدور التخريبي

منذ لحظة هروب الأسد وسيطرة المجاميع الإرهابية بقيادة أحمد الجولاني على السلطة في دمشق صرّح هذا الأخير بأن النظام الجديد لا يعادي أحدا بما في ذلك الكيان الصهيوني الذي شرع في التوغل داخل الأراضي السورية دون مقاومة تذكر. ولم يقع الرد حتى على ضرب المطارات ومخازن الأسلحة والمؤسسات ذات الطابع العسكري من معاهد بحوث وغيرها. في المقابل كانت الوحدات الأمنية للنظام الجديد شرسة في ملاحقة النشطاء السوريين والمحسوبين على النظام القديم من الطائفة العلوية ومصادرة الأملاك قبل أن تمتد أيدي الإرهاب التكفيري نحو المواطنين العزل في شتى المناطق السورية بما في ذلك الطائفة الدرزية التي اضطرت للاحتماء بالجيش الصهيوني.

لم يكتف النظام الجديد بذلك بل انخرط في مباحثات مباشرة مع هذا الكيان بحثا عن ترتيبات جديدة تمكّنه من رفع العقوبات وسحب صفة الإرهاب عن جبهة النصرة وتقدم خطوات في هذا المسار. وهو مستوى من التطبيع مع الكيان الصهيوني لا يمكن نفيه.

كما استجاب لطلب ترامب الذي اشترط إخراج الفصائل الفلسطينية من سوريا مقابل تخفيف العقوبات. فأذن الشرع بإيقاف بعض قيادات الجهاد الإسلامي الفلسطينية وطالب الفصائل بتسليم سلاحها والاكتفاء بالأنشطة الإنسانية وشكل لجنة لمراقبة هذه الفصائل التي غادر بعض قادتها سوريا جراء التضييق والمنع. كما تمت السيطرة على مقار ومكاتب لفصائل فلسطينية قاتلت إلى جانب نظام الأسد ووقع تجميد أرصدتها. وانخرطت القوات الأمنية السورية للنظام الجديد في الاعتداء على الجيش اللبناني واستهدفت بعض جيوب المقاومة من جهة الحدود السورية اللبنانية بتعلة ملاحقة تجار المخدرات وتعهدت على الملأ بمنع تدفق السلاح نحو الداخل اللبناني.

إن المقاومة من وجهة نظر أحمد الشرع هي العدو الرئيسي للنظام السوري الجديد، أمّا الكيان الصهيوني والامبريالية وخاصة الأمريكية فهم من وجهة نظره أصدقاء سوريا الذين يمكن التعويل عليهم لضمان الاستقرار داخل سوريا ومعالجة الأزمة الاقتصادية، إضافة إلى كسب الدعم للنظام الجديد. إن الشرعية بالنسبة للشرع لا تأتي من الشعب السوري بل من الكيان الصهيوني والامبريالية الأمريكية وتركيا والرجعية العربية التي عمل الشرع على كسب ودها وضمان مساندتها. وهي نفس الثقافة التي تميز الأنظمة الرجعية العربية العميلة التي تعادي شعوبها وتضطهدها وتسعى في المقابل إلى كسب دعم الامبريالية والصهيونية. لكن رغم هذا فإن الكيان الصهيوني لم يعبّر عن أيّ ثقة في أحمد الشرع واعتبره إرهابيا غير موثوق به. والهدف هو مزيد الضغط والابتزاز حتى تحقيق الأهداف الصهيونية.

نظام في خدمة المشروع الامبريالي الصهيوني

إنّ وصول الشرع إلى السلطة كان مدعوما بشكل غير مباشر من الكيان الصهيوني وبعض القوى الإقليمية والدولية التي رأت فيه “الصفقة الممكنة” لإدارة سوريا بعد بشار الأسد. وقد وجد الكيان الصهيوني الفرصة مواتية لتثبيت نفوذه في الجنوب السوري دون الحاجة إلى عمل عسكري مباشر، وأن حكومة الشرع قابلة بحكم طابعها البراغماتي لإدارة الملفات الأمنية بشكل يقلل المخاطر على الكيان الصهيوني مقابل تثبيت نفسها كحكومة شرعية.

في هذا الإطار دعم الكيان الصهيوني دروز السويداء ووسّع نفوذه في القنيطرة ودرعا لتقييد حكومة الشرع ضمن إطار تفاهم يسمح باستمرارها في السلطة مقابل عدم التصعيد في الجنوب.

لقد فرض الكيان الصهيوني نفوذه في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء بطرق غير مباشرة وهادئة من خلال:

التوسع في القنيطرة ودرعا عبر شبكات استخباراتية وأمنية تتحكم في المعابر وإدارة تدفقات تهريب السلاح والمواد الخطرة وخلق تسهيلات اقتصادية لفرض واقع نفوذ فعلي دون مواجهة عسكرية.
دعم الدروز في السويداء في شكل مساعدات اجتماعية وخدمات صحية ودعم اقتصادي محدود بهدف بناء شريك محلي قادر على لعب دور حامي للحدود مع الكيان الصهيوني ممّا يخلق حزاما أمنيا واجتماعيا يعزز النفوذ الصهيوني بشكل غير مباشر. يتمّ هذا مقابل التقليل من الوجود العسكري لحكومة الشرع كخطوة استراتيجية متفق عليها حيث تتم إعادة تموضع القوات بعيدا عن الحدود وترك الفضاء للنفوذ المحلي والصهيوني. وبهذا يتحوّل الجنوب السوري تدريجيا إلى منطقة نفوذ صهيونية غير معلنة.

هناك صفقة غير معلنة بين حكومة الشرع والكيان (مقايضة): استمرار الشرع في الحكم مقابل السماح للكيان بفرض قواعد نفوذ في الجنوب. ليس هناك بطبيعة الحال اتفاق رسمي أو إعلان سياسي لكن هذا يمارس عمليا عبر السيطرة الأمنية والدعم الاقتصادي للمكونات المحلية وتقليص الوجود العسكري للسلطة المركزية السورية.

إنّ هدف الكيان الصهيوني من هذه الخطة التي يجري تنفيذها هو إعادة هندسة المنطقة دون صدام مباشر وتحويلها إلى منطقة أمان وخدمة لمصالح الصهاينة بينما تتجنب حكومة الشرع أيّ مواجهة يمكن أن تهدد وجودها السياسي.

وتعمل الامبريالية الأمريكية والغربية على استقرار الوضع والحيلولة دون عودة سوريا إلى محور المقاومة في إطار إعادة تشكيل الخارطة السورية حيث تصبح إدارة الجنوب السوري نموذجا للاستقرار والتعايش المشترك بين الأطراف.

إنّ تقسيم وتفتيت سوريا وإخضاعها (جنوب تحت السيطرة الصهيونية وشرق تتقاسم النفوذ داخله القوات التركية والأمريكية) سيفتح الطريق أمام مزيد التقسيم والتفتيت في باقي الأقطار العربية بهدف ضرب أيّ إمكانية لوحدتها ونهوضها واستقلالها حتى تسهل السيطرة عليها ونهب ثرواتها إلى جانب اجتثاث المقاومة وضرب قدرتها على الصمود وفتح الطريق أمام الكيان الصهيوني لربط علاقات مع دول الخليج والسيطرة على الإقليم خدمة للأجندة الامبريالية المتمثلة في شرق أوسط جديد خاضع للهيمنة الامبريالية الأمريكية وإحياء مشروع إسرائيل الكبرى التي تربطها علاقات واسعة مع دول المنطقة وتضمن لها التفوق والسيطرة.

لقد جيء بنظام المجاميع الإرهابية بقيادة زعيم هيئة تحرير الشام الإرهابية أبو محمد الجولاني المسمّى أحمد الشرع إلى السلطة في سوريا للعب هذا الدور الوظيفي الذي رسمته له الامبريالية الأمريكية بالتنسيق مع ربيبتها الصهيونية. وتعهد الشرع بالانخراط في المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب وما سينجر عن ذلك من إعادة تنظيم وهيكلة الجيش السوري الجديد وضرورة تطهيره من العناصر الجهادية وانخراط الامبريالية الأمريكية في العملية، وتعهده بطرد وملاحقة عناصر الحرس الثوري الإيراني وحزب الله تؤكد انخراطه البيّن في هذا الدور.

فهل سينجح الإرهاب التكفيري في تنفيذ هذه المهمة على أرض الواقع أم أنه سيسقط بفعل صمود المقاومة المسنودة من شعوب المنطقة التي ستراكم على طريق استقلالها الكامل والفعلي وسيادتها وحريتها خاصة بعد افتضاح جرائم الكيان الصهيوني ودور الرجعيات العميلة المتعاونة والمساندة له.

رابط المقال على موقع : https://www.sawt-achaab.tn/31460/

  : تونس بين التفكّك الممنهج وإعادة هندسةبقلم كوثر الباجيفي الظاهر، تبدو مظاهر محاكمة المعارضين، وبناء السجون، وانهيار ا...
28/11/2025

: تونس بين التفكّك الممنهج وإعادة هندسة

بقلم كوثر الباجي

في الظاهر، تبدو مظاهر محاكمة المعارضين، وبناء السجون، وانهيار البنية التحتية، وسقوط أسقف المدارس على رؤوس التلاميذ، وانكماش الأجسام الوسيطة، وانهيار القدرة الشرائية، أحداثًا منفصلة لا يجمعها جامع. غير أنّ هذه الوقائع ليست سوى حلقات في مسار واحد: مسار إعادة تشكيل المجتمع وفق إرادة السلطة. فالسلطة حين تعجز عن خلق اقتصاد منتج، تلجأ إلى فرض الهيمنة عبر أدوات أخرى: القضاء، الإعلام، المدرسة والسجن. ومن هذا المنطلق يصبح تجميع هذه الأحداث في سياق واحد ضرورة لفهم ما يحدث، لا مجرد تمرين نظري.

تفكيك جهاز الدولة: من القضاء إلى الإعلام

إنّ أول ما تستهدفه السلطة حين تريد إعادة ترتيب موازين القوى هو الجهاز القضائي. فالقضاء المستقل يشكّل خط الدفاع الأول للشعب، أمّا القضاء المُسيطَر عليه فيصبح وسيلة لإسكات المعارضة. وهذا النموذج رأيناه في تشيلي بعد انقلاب بينوشيه حين تمّ إخضاع المحاكم لشرعنة كل إجراءات القمع، كما شهدناه في مصر بعد 2013 حين تحولت المحاكم إلى منصات تصفية سياسية.

الهدف واحد: منع أي قوة اجتماعية من الطعن في شرعية السلطة

بعد القضاء يأتي دور الإعلام. فالإعلام الذي يُفترض أن يكون ساحة للنقاش الحر يتحوّل تدريجيًا إلى ماكينة لإنتاج الوعي الزائف. تتقلّص فيه المساحات النقدية، وتُضخ فيه خطابات الخوف، ويُعاد صياغة الواقع بطريقة تخدم السلطة. وفي تجارب مثل تونس في التسعينات، لم يكن الإعلام سوى صدى لصوت الحاكم، يبرر السياقات ويضلّل الجماهير.

ضرب الأجسام الوسيطة: منع الشعب من التنظيم

إنّ المجتمع لا يمتلك القدرة الحقيقية على المقاومة إلا حين يملك أدوات تنظيمه الذاتية: النقاباتُ المناضلة، والأحزابُ الحاملةُ لمشروع تاريخي، والجمعياتُ المستقلةُ القادرةُ على مراقبة السلطة. لذلك تحديدًا، تُوجَّه الضربات الأولى في أيّ مسار نحو الحكم المطلق إلى هذه الأجسام، إذ يُصار إلى تجميدها أو تشويهها أو محاصرتها أو التحريض ضدها. وهذا ما حدث اليوم مع الاتحاد العام التونسي للشغل، ومع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ومع طيف واسع من أحزاب المعارضة المدنية واليسارية، فضلًا عن جمعيات المراقبة. فالهدف واحد وواضح: إلغاء كلّ وسيط يربط الشعب بدولة القانون وتفكيك القدرة الجماعية على التنظيم.

وحين يُمحى الوسيط، يتحوّل المواطن إلى فرد معزول أمام السلطة، منزوع الحماية الجماعية التي كانت تمنحه القدرة على الدفاع عن حقوقه. وعندها يغدو الفضاء العام مجالًا فارغًا، تهيمن عليه الدولة دون رقابة أو توازن.

وليس ذلك جديدًا في تاريخ الصراع الطبقي؛ ففي البرازيل إبّان الدكتاتورية العسكرية، جرى تفكيك النقابات القوية واستبدالها بنقابات صورية وظيفتها الوحيدة قطع الشريان الذي يربط العمال ببعضهم ويمنحهم القدرة على الفعل الجماعي. وهكذا تكون النتيجة واحدة في كل سياق: تذرية المجتمع وتحويله إلى أفراد منفصلين، عاجزين عن إنتاج مبادرة جماعية أو بناء احتجاج منظم. وبدل أن يواجه الشعب السلطة كقوة موحدة تمتلك وعيها الطبقي، يُدفع كل فرد إلى الانشغال بأزمته الخاصة، فاقدًا الحاضنة التي تمكّنه من المقاومة ومن صناعة التغيير.

تدمير التعليم: سياسة طبقية لإنتاج جيل مهمّش

إنّ ارتفاع أسعار الأدوات المدرسية والمراجع لا يمثّل مجرد تضخم، بل يعكس مسارًا سياسيًا يحوّل التعليم من حق اجتماعي إلى سلعة تُباع لمن يستطيع دفع ثمنها. وهذا النهج هو ذاته الذي كرّس في تشيلي، بعد إصلاحات “شيكاغو بويز”، منظومة تعليمية تُعيد إنتاج الفقر وتعيد توزيع المستقبل وفق خطوط طبقية واضحة.

وفي السياق نفسه، لا يمكن النظر إلى سقوط سقف مدرسة فوق التلاميذ كحادث تقني معزول؛ فهو تجسيد لمكانة التعليم في ترتيب أولويات السلطة. فحين تصبح سلامة التلميذ قابلة للتضحية أمام حسابات الميزانية، يصبح واضحًا أن النظام لا يرى في المدرسة فضاءً للمواطنة، بل عبئًا غير مربح.

أما ارتفاع نسب الانقطاع المدرسي، فليس نتيجة “كسل التلاميذ” أو “غياب الرغبة”، بل ثمرة شروط مادية خانقة: غلاء النقل، ضعف مداخيل العائلات، الحاجة إلى العمل المبكر. وبهذا تتحول المدرسة إلى أداة فرز طبقي تُقصي أبناء الفقراء وتحصر إمكان الترقي الاجتماعي في فئات محددة. وهنا تتجلى الحقيقة الماركسية: من يسيطر على المدرسة يسيطر على شكل المستقبل.

إنّ ضرب التعليم ليس حادثًا عابرًا، بل خيار طبقي مقصود. فحين يصبح ثمن الكراس والكتاب خارج متناول الأسر الفقيرة، فإن الرسالة واضحة: التعليم لم يعد للجميع. وهو المنطق نفسه الذي ساد في الولايات المتحدة خلال سبعينات الخوصصة، حين تحولت المدرسة العمومية إلى فضاء مهمّش لا يتيح سوى إعادة إنتاج الطبقات الدنيا.

وما حوادث انهيار المدارس إلا تعبير رمزي عن منظومة لا تعتبر التلميذ استثمارًا. وقد تزامن ذلك مع ارتفاع كبير في أعداد المنقطعين بفعل تكاليف التنقل واللوازم المدرسية والحاجة إلى العمل. وهذه ليست “مشاكل اجتماعية”، بل نتائج مباشرة لسياسات ليبرالية تُدفع طبقات واسعة عبرها نحو الجهل وتُغلق أمامها مسارات الارتقاء.

إنّ إنتاج جيل مُهمَّش ومُحاصَر معرفيًا ليس قدرًا طبيعيًا، بل سياسة طبقية واعية تستهدف منع ولادة الوعي الثوري وإبقاء الجماهير في موقع التابع لا الفاعل.

بناء السجون بدل المدارس: أمن السلطة أم أمن الشعب؟

حين تخصّص الدولة ميزانيات ضخمة لبناء سجون جديدة في الوقت الذي تنهار فيه مؤسسات التعليم والصحة، فإنها تكشف جوهر منطقها: مواطن يجب السيطرة عليه، لا مجتمع يجب تطويره. وهذا الخيار ليس استثناءً محليًا، بل يتكرر كلما انزلقت السلطة نحو النيوليبرالية السلطوية. ففي الولايات المتحدة، مثلًا، تضاعف عدد السجون بعد “إصلاحات ريغان”، ليتحوّل قطاع السجون إلى أحد أكثر القطاعات ربحية، في تجسيد واضح لتحالف رأس المال مع أجهزة القمع. والدرس ثابت: الأنظمة التي ترفض الاستثمار في التعليم، تستثمر بالضرورة في القمع.

ولأن السلطة التي تُخرس الأصوات تحتاج إلى أدوات مادية لترسيخ هيمنتها، فإنها تتجه دائمًا نحو توسيع جهاز السجون بدل توسيع فضاءات المعرفة. لذلك فإن مشروع بناء سجنين جديدين لا يمثل “ضرورة أمنية”، بل يعكس اختيارًا سياسيًا يحدد مستقبل العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويرسي تصورًا يعتبر المواطن موضوع ضبط لا ذاتًا فاعلة.

وليس غريبًا أن يظهر هذا النمط من السياسات في كل الأنظمة التي تنحدر نحو السلطوية. فقد بنى النظام المصري بعد 2013 أكثر من عشرين سجنًا بدل بناء جامعات، ووسّعت ديكتاتورية المغرب في الثمانينات سجون تزمامارت ودرب مولاي الشريف بينما كانت المدارس تتداعى، كما ضاعفت الديكتاتوريات العسكرية التركية في السبعينات والثمانينات عدد السجون لقمع المعارضة اليسارية. في كل هذه الأمثلة، كان الخيار واحدًا: إنتاج فضاء عقابي بديلًا عن فضاء معرفي.

إنّ بناء السجون ليس سياسة أمنية بحتة، بل إعلان صريح بأن الدولة تستعد لقمع الأزمات بدل حلّها. والأخطر أن هذا التوجه يتزامن مع تراجع الاستثمارات في التعليم والصحة، ما يعني ببساطة أنّ مشروع “التنمية” يُستبدل تدريجيًا بمشروع “الضبط”، وأنّ الدولة تختار تكريس منطق السيطرة الطبقية بدل بناء مجتمع قادر على النهوض والتحرر.

نحو مشروع ثوري تونسي بديل

ما يحدث اليوم ليس صدفة، بل نتيجة طبيعية لمنطق السلطة الشعبوية النيوليبرالية التي تسعى إلى إعادة تشكيل المجتمع وفق قاعدة واضحة: إضعاف القاعدة الشعبية ومنع تشكّل كتلة تاريخية قادرة على تغيير موازين القوى. فكلما ضعفت النقابات، فقد العمال القدرة على الإضراب والدفاع عن مصالحهم، وكلما انهار التعليم، انهار الوعي، وكلما توسعت السجون، اتسع نطاق الخوف، وكلما انقطعت الأجيال الجديدة عن المدرسة، انقطعت صلتها بالسياسة، وكلما تهشّمت الطبقة المتوسطة، غابت مقاومة الليبرالية. والنتيجة هي مجتمع هشّ، عاجز عن التنظيم، يسهل السيطرة عليه، مشغول بالبقاء على حساب المشاركة الاجتماعية والسياسية، محكوم بخطوط حمراء تمنعه من تطوير وعيه الجماعي. من منظور ماركسي–لينيني، هذه السياسات ليست مجرد تسيير خاطئ، بل إستراتيجية طبقية متعمّدة لتكريس هيمنة رأس المال والسيطرة على الدولة، وإفراغ المجتمع من أدواته الديمقراطية.

لكن التحليل وحده لا يكفي، فالمسار الثوري يتطلب مشروعًا واضح المعالم قادرًا على استنهاض الجماهير واستعادة القدرة التاريخية على الفعل. ويبدأ هذا البديل باستعادة الدولة من يد رأس المال عبر بناء قضاء مستقل ديمقراطي تحت رقابة شعبية، وإعادة الإعلام إلى وظيفته التنويرية، ودعم النقابات والأحزاب الثورية، وإقرار تشريعات تمنع تضارب المصالح بين السلطة ورأس المال، بما يضع آليات رقابة مباشرة على كل أداة من أدوات السلطة. كما يجب إعادة بناء الاقتصاد على أسس الديمقراطية الشعبية تعتمد التخطيط الوطني واسترجاع القطاعات الحيوية كالطاقة والمياه والفوسفات، ودعم الإنتاج المحلي، وإنشاء تعاونيات عمالية تمنح العمال ملكية حقيقية وقدرة على المشاركة في صنع القرار. في المقابل، يمثل التعليم حجر الزاوية لأيّ مشروع تحرري؛ لذا لا بدّ من ضمان مجانية التعليم الفعلية، وبناء مدارس جديدة، وبرامج تكوين للشباب العاطل، ودمج الثقافة النقدية والممارسة الديمقراطية في المناهج، لتربية أجيال واعية وقادرة على الفعل الجماعي. وأخيرًا، تقوم الديمقراطية الشعبية من الأسفل على إنشاء مجالس محلية منتخبة ولجان شعبية في الأحياء تتيح مشاركة المواطنين مباشرة في الرقابة على السلطة وصنع القرار، لتتحول الدولة من أداة قمع إلى مؤسسة خاضعة لإرادة الشعب، قادرة على حماية حقوقه وتأمين مستقبله. بهذا يصبح البديل الثوري ليس حلمًا نظريًا، بل مشروعًا متكاملًا لاستعادة المجتمع من سيطرة رأس المال وإعادة إنتاج الوعي الجماعي، وتحويل السلطة إلى أداة تحريرية تخدم الطبقات الشعبية بدل أن تقمعها.

رابط المقال على موقع : https://www.sawt-achaab.tn/31456/

  : إضراب الجوع، سلاح ضد الديكتاتوريةبقلم علي الجلوليعاد الجدل في المدة الأخيرة حول إضراب الجوع كشكل من أشكال الدفاع عن ...
28/11/2025

: إضراب الجوع، سلاح ضد الديكتاتورية

بقلم علي الجلولي

عاد الجدل في المدة الأخيرة حول إضراب الجوع كشكل من أشكال الدفاع عن الذات وعن الحقوق التي تنتهك في السجن. الجدل شارك فيه وسط واسع من الجمهور المسيّس المعارض والموالي، وشمل جوانب وزوايا متعددة لهذا الشكل الاحتجاجي الذي تؤشر عودته القوية الى التحولات الحاصلة في الوضع السياسي وخاصة من جهة شكل السلطة الحاكمة التي استعادت طابعها الدكتاتوري الذي يزج بخصومه في السجن.

لقد شنت جوقة أنصار النظام هجوما على سجين الرأي الأستاذ جوهر بن مبارك الذي أعلن دخوله في إضراب جوع وحشي رفضا لكل مسلسل التنكيل به وضرب حقه في المحاكمة العادلة، ركز الهجوم على أن الإضراب ليس وحشيا والدليل أن المعتقل مازال يتنفس وهو ما أكدته إدارة السجون ثم وزيرة العدل علنا بنفي الإضراب أصلاً بالنسبة لكل من يروّجون أنهم مضربون عن الطعام. وقد كذب تدهور الحالة الصحية للأستاذ بن مبارك الذي تم توجيهه عديد المرات الى مستشفى نابل.

ما هو إضراب الجوع في السجن؟

لا يعي عديد المشاركين في هذا الجدل خصوصية الإضراب عن الطعام في السجون التونسية التي يعاني فيها السجن ظروفا بائسة على كل المستويات وخاصة على مستوى الإعاشة والتغذية التي تعتبر أحد أهم واجهات العقاب والتنكيل، لذلك فإن السجين الذي لا ايتلقى “قفة” العائلة يعاني الأمرّين أمام رداءة أكلة السجن البائسة كما ونوعا رغم ادعاء إدخال بعض التحسينات عليها. ينضاف الى ذلك حالة الاكتظاظ وسوء الخدمات والمعاملة مما يضطر عديد السجناء الى خوض إضرابات الجوع للضغط حول هذا المطلب أو ذاك أي الذي يهمّ الحياة السجنية أو الذي يهمّ تحديد موعد الجلسة أو مراجعة الأحكام… أما المساجين السياسيين فإن إضراباتهم تشمل غالبا حق التصنيف كما تنص عليه القوانين الدولية أي الحق في التمتع بكل الظروف الإنسانية التي تهم ظروف الإقامة وحق الزيارة المباشرة أو التي تهم شروط المحاكمة وحقوق الدفاع. وهو حال جوهر بن مبارك وأصدقائه الذين خاضوا إضرابات الجوع لرفع مطالب تهم الواجهتين؛ الحياة داخل السجن والتي بلغت فيها الانتهاكات درجة عالية، أو خاصة ما يهم المحاكمة الشكلية التي صدرت عنها أحكام عالية بالسجن على خلفية الرأي السياسي لا غير.

أما تفاصيل إنجاز إضراب الجوع فما لا يعلمه العديد أن حجم الضرر الحاصل للجسم بمناسبة الإضراب وخاصة بعده هو حجم كبير وعديدة هي الأمراض المزمنة التي تترتب عن إضرابات الجوع وخاصة طولها وكثرتها. إن الإضراب في حد ذاته هو إيذاء للجسد، لذلك فإن هاجس المضرب هو كيف يخرج بأقل الاضرار، وحالة الإضراب الوحشي أصعب وأدق فهذا الإضراب لا يعني سوى قرار إعلان الموت بعد وقت قليل، لذلك فإن الالتجاء إليه هو من أخطر القرارات التي يمكن أن يضطر إليها السجين. أنه حالة يأس كلية من تحقيق العدالة. لكن السجين المضرب يعيش صراعا داخليا كل لحظة محوره أن يموت أو يؤجل موته، وأن يتناول جرعات من الماء فهذا يعني إصراره على البقاء. وأن يتناول المضرب بعض السوائل الأخرى وحتى بعض السكريات حتى لا تتدمر قدراته الجسدية فهذا موضوع كان أكثر من مرة محل جدل في أوساط المساجين السياسيين، وعموما فإن “المدرسة التونسية” في هذا المجال اتجهت الى رفض تناول أي شيء عدا الماء والسكر، وخارج السجون “التيزانا”. وفي السنوات الأخيرة من حكم بن علي بالكاد تم القبول بتناول العسل عوض السكر الذي يصبح تدريجيا مادة مقرفة وتسبب جروحا في الفم ما لم تكن ذائبة، علما وأن الرغبة والإقبال على كل هذا تبدأ في التراجع تدريجيا بعد الأيام الأولى للإضراب. وقد تسبب هذا التشدد في منع دخول أي شيء للمعدة في كوارث صحية شملت خاصة تعطل الكلى…

للعلم فإن المساجين السياسيين في العراق كانوا يتناولون أثناء إضراب الجوع حبات من التمر، وفي تركيا بعضا من الحليب. والمدرستين التركية والعراقية هما مدرستان بارزتان في النضال ضد الأنظمة الديكتاتورية وقدمتا ملاحم ونضالات عظيمة وتضحيات عالية طوال عقود. أما “النموذج التونسي” في إضرابات الجوع فهو أقرب الى النموذجي الكردي والإيرلندي، علما وأن إضراب الجوع الفلسطيني يعتبر الأكثر مرونة لذلك تمتد إضرابات الأسرى الى مدد أطول.

إن هدف الإضراب لم ولن يكون الموت أو الخروج بإعاقات، على العكس من ذلك تماما فالمضرب هو متمسك بالحياة لذلك يريد مغادرة الزنزانة في أقرب وقت ممكن. لذلك فأن يتهكم البعض أن المضرب يتناول أكلا، فهذا مقرف ومردود ومدان، وهو يعكس نزعة تشفي ودعوة مبطنة للمضرب أن يحافظ على ” نقاوة إضرابه” ويذهب الى الموت. وهذا عين السقوط السياسي والأخلاقي.

إضراب الجوع صرخة في وجه الإحساس بالقهر

لم يكن إضراب الجوع حكرا على السياسيين وأصحاب الرأي، فكثيرا ما التجأ سجناء أو أشخاص “عاديون” الى هذا السلاح الذي شكل ولا يزال صرخة واحتجاجا ضد الإحساس بالقهر وحتى بالعجز إزاء الظلم الذي يعيشه فردا أو جماعة. وعادة ما ينتشر الالتجاء الى هذا الأسلوب الاحتجاجي في أوضاع الاستبداد أين تتراجع أشكال النضال الجماهيري والجماعي لحساب أشكال النضال الفردي أو الذي تمارسه مجموعة محدودة من الأفراد. لقد ارتبط إضراب الجوع في السردية الاحتجاجية العالمية بالظلم والقهر الذي تمارسه الأنظمة الديكتاتورية ضد خصومها السياسيين وضد الشعب بشكل عام. إن الإضراب عن الطعام هو استعمال الجسد وتحويله الى آلية مقاومة واحتجاج، وتتم المساومة لتحقيق مطلب أو مطالب على الجسد الذي يتعاطف على العموم الناس معه ومع صاحبه خاصة حين يصبح مهددا. لقد حقق السجناء السياسيون وأسرى الحرية في العالم مكاسب هامة تهم الأوضاع السجنية نحو أنسنتها بفضل آلام الجوع التي تركت آثارها على الجسد حسيا ورمزيا. لقد حمل الجسد في التاريخ كل رسائل الاحتجاج والرفض، لقد كان هو الصوت حين خرست آذان الطغاة، وبفضل صموده الأسطوري حقق من المكاسب ما عجز عنه الحوار والكتابة.

أن يلتجأ جوهر بن مبارك وأصدقاؤه من المساجين الى سلاح الإضراب فهذا مؤشر على حجم التقهقر الذي تمر به الحريات في بلادنا. إن التعاطف مع جوهر هو انتصار للحرية، وإن الانخراط في تشويهه وتشويه الإضراب عن الطعام هو انحياز للقهر والقمع والاستبداد الذي يوسع قاعدة وخارطة ضحاياه كل يوم بما في ذلك نحو أقرب أقربائه، هؤلاء الذين يعتقدون واهمين أنهم بعيدون عن الإيذاء.

رابط المقال على موقع : https://www.sawt-achaab.tn/31453/

  : إمّا أن تنتصر الصحافة أو يكتمل الانهيار.. انتفاضة الصحافيين هي معركة الحرية لكل التونسيينبقلم سمير جرايلم يكن المشهد...
28/11/2025

: إمّا أن تنتصر الصحافة أو يكتمل الانهيار.. انتفاضة الصحافيين هي معركة الحرية لكل التونسيين

بقلم سمير جراي

لم يكن المشهد في ساحة الحكومة بالقصبة يوم الخميس مجرد وقفة احتجاجية عابرة للصحافيات والصحافيين التونسيين، ولم يكن تحركا مهنيا فحسب، بل معركة من أجل الحرية، أو فلنقل دون مواربة إنها انتفاضة مهنية وسياسية ضد سياسة ممنهجة لتدجين الإعلام، وإسكات الصحافيين، وتحويل البلاد إلى مساحة واحدة يعلو فيها، فوق صوت الجميع، صوت السلطة وأبواقها والمتزلّفين والانتهازيين المتلوّنين عبر كل الأزمنة.

انتفاضة الصحافيين ليست دفاعا عن أنفسهم فقط، بل دفاعا أيضا عن حق التونسي في أن يعرف (الحق في المعلومة الذي أصبح مستحيلا)، في أن يناقش، في أن يعارض، في ألا يعيش داخل “غرفة مظلمة” تصنعها منشورات رسمية وخطب رئاسية بلا معنى وبلا أسئلة ولا أجوبة.

بعد أربع سنوات من انقلاب قيس سعيد أصبح المشهد واضحا، فقطاع الصحافة يُهان ويُحاصر، وصحافيون يُساقون إلى مربّع الخوف، ونظام يشنّ حربا مفتوحة على من يعتبرهم “المزعجين” بل أكثر من ذلك، فهو يصنّف كل من لم ينخرط في ما يسمّيها الرئيس “حرب التحرير” ضمن خانة “المتآمرين”.

“لا يُستبعد أن تطبّق السلطة قريبا قانون البايات على الصحافيين” هكذا وصّف نقيب الصحافيين من أمام مقرّ الحكومة، ما وصل إليه هذا المشهد العبثي، مشهد يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن السلطة الحالية لا تخوض مجرد خلاف مع الصحافيين، بل تعتبر نفسها في حرب وجود ضدّ الصحافة المستقلة. ويدرك قيس سعيد نفسه أن الصحافة الحرة لن تتوانى عن مقارعة الاستبداد، ولن تصمت حتى لو وضع لها كل قوانين القمع والترهيب، لذلك ستتواصل أساليب الاستهداف دون أيّ وعي سياسي، مركّزة فقط على خطاب ممجوج من التخوين والتخويف وترسانة القوانين الزجرية.

المرسوم 54: دولة تُدار بنصّ لا ينطق إلا بالسجن

ظل المرسوم 54 السلاح الرسمي لخنق حرية الصحافة وتقييدها، وتكميم الأفواه وبثّ مناخ الرعب، وذراع النظام الأبرز للتضييق على المجال العام، بل أصبح عمليا أداة لمحاكمة كل صاحب تدوينة رأي أوتصريح إعلامي أو مقال صحفي ينتقد النظام الذي أصبح أشبه بالأنظمة التوتاليتاريّة (Totalitarism).

تونس التي كانت محلّ إشادة دولية في مجال حرية الصحافة، تراجعت إلى المرتبة 129 عالميا سنة 2025. تراجع لم يأتِ من فراغ، بل من سياسة ممنهجة تعتمد “التجويع المهني” والمنع والترهيب والسجن. وليس من الغريب أن حوالي 300 شخص على الأقل أُحيلوا على القضاء استنادا على المرسوم 54، وسجلت نقابة الصحافيين 14 ملاحقة من أصل 32 ضدّ صحافيين خلال سنة واحدة كلها بسبب المرسوم سيء الذكر. فضلا عن عدة أحكام بالسجن صدرت أو نُفّذت ضدّ إعلاميين. كذلك عادت إلى الواجهة القوانين البالية، من مجلة الاتصالات، وقانون مكافحة الإرهاب، وحتى المجلة الجزائية، ليتحول العمل الصحفي إلى مغامرة غير محسوبة العواقب.

ولا يقف الأمر هنا، بل الأخطر هو تواصل سجن الصحافيين والمعلّقين الإعلاميين، ومنهجية الترهيب المباشر، وما زالت شذى الحاج مبارك وسنية الدهماني ومراد الزغيدي وبرهان بسيس يقبعون في السجون، وآخرون يُلاحقون يوميا بتهم مختلفة وعبثية.

وبلغة الأرقام أيضا، سُجّل من نوفمبر 2024 إلى نوفمبر 2025، 149 اعتداء على الصحافيين والمصورين، 75 من تلك الاعتداءات ارتكبتها أجهزة الدولة وخاصة الجهاز البوليسي الذي حنّ إلى ممارساته قبل 2011. وظل الإفلات من العقاب السمة الطاغية.

إعلام عمومي مُسيطر عليه… وصحافة مستقلة مستهدفة

لم يعد الأمر متعلّق بالتضييق على الصحافيين فقط، بل أصبح استهدافا منظما للبنية الإعلامية نفسها، فحال الإعلام العمومي ليس بأفضل مما كان عليه في عهد بن علي، وعاد إعلاما حكوميا يتفنّن في أساليب البروباغندا للنظام، ويُستبعد منه أيّ صوت مختلف ولم نقل معارضا، ناهيك عن سحب مقالات وتغيير عناوين والمنع من التغطيات الصحفية لأخبار المعارضة والنقابات والمجتمع المدني.

هكذا أصبح الإعلام العمومي تحت “الإقامة الجبرية” كما كان الأمر في العهد البنفسجي، بل إن ما يجري في أروقته هو جريمة مكتملة الأركان في حق المواطن التونسي الذي يموّله من جيبه، ليقدّم له بروباغندا مفضوحة، مع تغييب كامل للرأي المخالف، واغتيال النقاش العام.

هذا السياق أنتج بالضرورة مناخا مخيفا لا يقتصر فقط على الصحافيين، بل صارت البلاد بأكملها تحت سحابة ثقيلة من الصمت. ومع اختفاء النقاش وغياب المضامين الجديّة وتراجع التعددية، وسيطرة الرواية الرسمية، غرقت البلاد في الشائعات لأن السلطة أغلقت كل قنوات الوصول إلى المعلومة.

مجلس الصحافة: مناخ متدهور ومضامين دعائية تخنق الحقيقة

لم ينتظر مجلس الصحافة كثيرا ليصدر تحذيره من تدهور المناخ الإعلامي وانتشار الدعاية المتخفّية واختلاط الخبر بالرأي والتحريض واستهداف الصحافيين، ووصل الأمر منذ أيام إلى إغلاق موقعي “نواة” و”انكفاضة” تحت ذريعة “إجراءات التدقيق المالية” بينما السبب الحقيقي بلا أدنى شك هو خطهما التحريري المستقل، كل هذا ليس إلا محاولة لخلق فضاء إعلامي مفرغ من مضامينه الحقيقية، بصوت رسمي واحد، دون نقد أو مساءلة وبعيدا عن المهنية المطلوبة.

ولعلّ أكثر مطالب الصحافيين بداهة أصبحت اليوم صراعا دون جدوى، فمازالت السلطة تماطل وتعتبر البطاقة المهنية “منّة” وليست حقا بديهيا لكل صحافي، لم يمنع حتى في العهود السابقة. فضلا عن تجميد تراخيص مراسلي الصحافة الأجنبية والتضييق عليهم في كل تحركاتهم وعملهم.

ومن نافل القول، إن النظام الذي لا يحتمل الأسئلة، ويرتعد من الصحافة الحرة إلى هذا الحدّ، لا يمكن أن يكون إلا نظاما هشّا، لا يخشى المعارضين السياسيين بقدر ما يخشى الصحافيين، فالمعارض ينافس على السلطة، أمّا الصحافي فيكشف ويفضح ويعرّي الأوهام التي يتغذّى منها النظام.

وقفة الصحافيين الغاضبين في ساحة القصبة لن تكون الأخيرة، لكنها كانت الأكثر وضوحا، فالرسالة الموجّهة لا تحتمل التأويل: إمّا أن تتراجع السلطة عن هذا المسار الانحداري، أو أنها ستواجه انتفاضة قطاع يعرف جيدا معنى الحرية، ولن يقبل أن يُعاد تدجينه بعد 14 عاما من الثورة.

إن أزمة النظام تتفاقم وهي ككرة الثلج، وكل خطوة قمعية تزيد الشرخ بينه وبين والمجتمع، فالصحافيون ليسوا وحدهم، على كل حال، خلفهم يقف محامون، وحقوقيون وسياسيون، وأساتذة، وطلبة، ونقابيون.

وأخيرا نقول إن أيّ نظام يخيّر معاداة الصحافة، فإنه يعلن بداية نهايته، لأن الأنظمة لا تسقط حين يواجهها السياسيون، بل حين يعجز الإعلام عن حمايتها من نفسها.

رابط المقال على موقع : https://www.sawt-achaab.tn/31450/

Address

Belvédère

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when جريدة صوت الشعب posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Contact The Business

Send a message to جريدة صوت الشعب:

Share

Category