29/11/2025
: استفتاء الاكوادور: رفض شعبي شامل لعودة القواعد الأمريكية إلى البلاد
بقلم مرتضى العبيدي
عاشت الاكوادور يوم السادس عشر من الشهر الجاري على وقع استفتاء دستوري دعت إليه حكومة “دانيال نوبوا” في مناخ يتّسم بالتشنج والتصعيد داخليا وإقليما وعالميا. وكان “نوبوا” يطبّق منذ وصوله إلى سدّة الحكم سنة 2023 سياسة نيوليبرالية وحشية أثقلت كاهل الطبقة العاملة وبقية الفئات الشعبية. وقد عبّرت هذه الأخيرة عن رفضها لهذه السياسة وخاضت نضالات متعددة للدفاع عن مكاسبها وللمطالبة بتحسين أوضاعها التي كانت تتدهور بسبب الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد.
ومنذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وارتماء “نوبوا” في أحضانه، أصبح يستعجل “الإصلاحات” التي تضع البلاد نهائيا وكليا تحت سطوة البورجوازية المحلية العميلة، خادمة الشركات متعددة الجنسية، وفسخ آثار المكاسب التي فرضتها شعوب الاكوادور في ظل فترة حكم “رافائيل كورّيا” (2007-2017). لذلك اختار “نوبوا” ما اعتقد أنه الطريق الأقرب أي التحوير الدستوري عبر الاستفتاء.
الهدف من الاستفتاء
لذلك يُشتمّ من هذا الاستفتاء رائحة تحالف “نوبوا” مع الولايات المتحدة في ما تدّعيه من عزم على “مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر والمخدرات” كخلفية لهذه التعديلات الدستورية المقترحة، والتي طُرحت للتصويت عليها من قِبل الإكوادوريين في 16 نوفمبر 2025.
وقد طُرحت أربع أسئلة (أ، ب، ج، د) على المواطنين الإكوادوريين
يتعلق السؤال (أ) بتعديل المادة 5 من الدستور: “هل توافق على ضرورة إزالة الحظر المفروض على إنشاء قواعد أو مرافق عسكرية أجنبية لأغراض عسكرية، وعلى نقل القواعد العسكرية الوطنية إلى قوات مسلحة أو قوات أمنية أجنبية، من خلال تعديل جزئي للدستور، وفقًا لملحق السؤال؟”ويبرّر الملحق أن هذا التعديل يأتي من أجل تعزيز التعاون الدولي ضد الجريمة العابرة للحدود الوطنية، وأن الهدف منه هو إزالة الحظر الذي أدخله “رافائيل كورّيا” في الدستور عام 2008: فعند توليه منصبه، لم يكتفِ بتعليق التعاون مع واشنطن، بل كرّس أيضًا في الدستور حظر وجود قواعد عسكرية تابعة لدول أخرى على الأراضي الإكوادورية.
أمّا السؤال (ب) فيهدف إلى استبدال المادة 110 من الدستور: “هل توافق على إلغاء التزام الدولة بتخصيص موارد من الميزانية العامة للمنظمات السياسية من خلال إصلاح جزئي للدستور، وفقًا لملحق السؤال؟” ويشرح الملحق أن الهدف هو إيقاف تمويل الدولة لعمل ونشاط المنظمات السياسية، والتي يتمّ تمويلها من ثلاثة مصادر مختلفة: أولاً، صندوق الحملات الانتخابية ؛ ثانيًا، صندوق مساعدة الأحزاب ؛ وثالثًا، المساهمات الخاصة.
أمّا السؤال (ج) فيهدف إلى استبدال المادة 118 المتعلقة بعدد نواب البرلمان: “هل تؤيد تقليل عدد أعضاء الجمعية وانتخابهم وفقًا للمعايير التالية: 10 أعضاء يُنتخبون على الصعيد الوطني ؛ عضو واحد لكل مقاطعة؛ وعضو إقليمي إضافي واحد لكل 400000 نسمة مسجلين في آخر تعداد وطني؟” والهدف هو خفض عدد أعضاء البرلمان إلى النصف، من 151 إلى 73. في الإكوادور، تمارس السلطة التشريعية من قبل برلمان بغرفة واحدة، يسمى الجمعية الوطنية، ويتألف من 137 عضوًا في عام 2021 و151 في عام 2025، ويتمّ انتخابهم لمدة أربع سنوات بالاقتراع العام المباشر ويكون مؤهلاً لإعادة الانتخاب مرة واحدة فقط، حيث يختلف حجمه وفقًا للتطور الديموغرافي للبلاد (المواد 118 وما يليها من الدستور).
من ناحية أخرى، يتكوّن السؤال (د) من استشارة شعبية تهدف إلى الموافقة على دعوة لجمعية تأسيسية لتغيير الدستور: “هل توافق على الدعوة لانتخاب جمعية تأسيسية، ينتخب الشعب الإكوادوري ممثليها، وفقًا للقواعد الانتخابية المنصوص عليها في النظام الأساسي التأسيسي المرفق، من أجل صياغة دستور جديد للجمهورية، والذي لن يدخل حيز النفاذ إلا إذا وافق عليه الشعب الإكوادوري لاحقًا في استفتاء؟”
إذ أن “دانييل نوبوا” يدّعي أن الدستور الحالي، أي دستور سنة 2008 ، لا يسمح له بتنفيذ السياسات اللازمة لمكافحة العصابات والاتجار بالمخدرات وأنشطة الجريمة المنظمة الأخرى.
وبداية من شهر أوت، نشطت مؤسسات استطلاع الرأي إلى حدود أسبوعين قبل الاستفتاء، التي تباينت لديها نتائج الاستطلاعات وأظهرت انقسامًا بين مؤيد للحكومة ومتردد بشأن خطة عقد جمعية تأسيسية.
وخلال الحملة الانتخابية، نشطت الأحزاب والمنظمات الديمقراطية والثورية لا فقط للدعوة إلى التصويت بـ “لا” على الأسئلة الأربعة، بل وخاصة لشرح أبعاد ذلك. وقد توجه الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني بالاكوادور إلى الناخبين بالنداء التالي:
“لا تمنحوا مزيدًا من السلطة للديكتاتور التافه
بعد أيام قليلة، ستتوجه البلاد إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في استفتاء تُقدمه الحكومة على أنه ممارسة ديمقراطية وحلٌّ لمشاكل وطنية كبرى.
إلا أن الأسئلة المطروحة بعيدة كل البعد عن تلبية الاحتياجات الحقيقية للشعب والبلاد. بل على العكس، إنها مناورة سياسية يسعى من خلالها دانيال نوبوا إلى ترسيخ سلطته، بهدف ترسيخ السياسات غير الشعبية التي يطبقها منذ اليوم الأول لرئاسته.
ستكون لنتائج الاستفتاء تداعياتٌ هائلة، فورية وطويلة الأجل. إذا فاز نوبوا، فسيعتبر ذلك تفويضًا مفتوحًا لمواصلة رفع أسعار الوقود، وإلغاء خدمات الرعاية الصحية في مؤسسة التأمينات الاجتماعية (كما أعلن قبل أيام قليلة عبر الإذاعة والتلفزيون)، وإلغاء مجانية التعليم الجامعي، واستئناف عمليات التسريح الجماعي في القطاع العام، والسماح بالتعدين في المناطق المحمية حاليًا، وإلغاء حقوق العمال والشعب، من بين إجراءات أخرى.
إذا تحقق هذا السيناريو، ستتدهور ظروف معيشة العمال والشعب أكثر، وستصبح الإكوادور “شركة خاصة” للبرجوازية الكبيرة وأصحاب رأس المال الدولي. لكن العمال والشعب لن يسمحوا بحدوث ذلك. يتزايد يوميًا عدد الإكوادوريين الرافضين للحكومة بسبب سلوكها الاستبدادي، ونكثها بوعودها، وعجزها عن حل المشاكل الخطيرة التي يعاني منها الشعب والبلاد، ولأنها حوّلت الإدارة الرئاسية إلى أداة لخدمة مصالح شركات عائلتها ومجموعتها.
بنفس القوة التي حارب بها شعبنا الحكومة في الشوارع، علينا الآن مواجهتها في صناديق الاقتراع.
التصويت بـ”لا” يعني:
الدفاع عن الحق في الحياة.
الدفاع عن سيادة البلاد.
النضال من أجل الحقوق التي حققناها، والتي يريدون الآن القضاء عليها.
الدفاع عن الحق في الصحة العامة والتعليم.
منع خصخصة الضمان الاجتماعي.
بالتصويت بـ”لا”، نقطع الطريق على حكومة استبدادية معادية للشعب وخاضعة للإمبريالية”.
النتائج
ومساء يوم الاقتراع، أقرّ الرئيس دانيال نوبوا بالهزيمة. فقد توجه أكثر من 80% من الناخبين إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد 16 نوفمبر، وأجابت الأغلبية بـ”لا” على الأسئلة الأربعة التي طُرحت عليهم في الاستفتاء.
– هل يجب وقف التمويل العام للأحزاب السياسية؟ لا: 58%.
– هل يجب تقليص عدد أعضاء البرلمان؟ لا: 53.4%.
– هل يجب السماح للقواعد العسكرية الأجنبية (أي “الأمريكية”) بالعودة إلى الإكوادور؟ لا: 60٫6%.
– والسؤال الأهم: هل ينبغي الشروع في عملية دستورية لاستبدال الدستور الحالي، الذي صيغ خلال رئاسة رافائيل كوريا؟ لا: 61٫6%.
ومساء الإعلان عن النتائج، خرجت الجماهير تملأ الشوارع للتعبير على فرحتها بالنتائج المحققة.
قراءة في النتائج: رفض سياسات نوبوا الأمنية والتبعية لأمريكا
ظهرت معارضة واسعة ضد الإصلاحات التي اقترحها الرئيس دانيال نوبوا في استفتاء. وتُمثل هذه انتكاسة كبيرة لسياساته النيوليبرالية، والتي تُحبط أيضًا خطط دونالد ترامب في المنطقة. وقد أظهر الشعب الغاضب قوته في صناديق الاقتراع، ورفض تدمير البلاد.
في حين أن بلاده غارقة في أزمة أمنية غير مسبوقة، نتيجة سياسات أسلافه الليبرالية والمعادية للمجتمع، يشن نوبوا حربًا على عصابات المخدرات باتباع أساليب عسكرية أمريكية شمالية، وهي أساليب غير فعالة ولها تأثير مروع على حقوق الإنسان. لا شك أن التصويت بـ”لا” على إعادة القواعد العسكرية الأجنبية يكشف عن استياء واسع النطاق بين السكان من سياسات الحكومة الأمنية، وعلى تبعيتها المتزايدة للإدارة الأمريكية.
تمثل هذه الهزيمة المدوية أول انتكاسة كبيرة – منذ عامين في منصبه – للرئيس النيوليبرالي دانيال نوبوا، ولكن أيضًا للولايات المتحدة، التي أصبح أقرب حليف إقليمي لها.
في الواقع، مع تسجيل أعلى معدل جرائم قتل في تاريخ البلاد، بل وفي تاريخ أمريكا اللاتينية، تُستخدم مكافحة الجريمة المنظمة ذريعةً لفرض إصلاحات نيوليبرالية، برعاية صندوق النقد الدولي. ولكن أيضًا برعاية الولايات المتحدة، التي تُشيد بحماسٍ برغبته في تعميق التعاون الأمني بين البلدين، حيث أعرب نوبوا عن رغبته في عودة القوات الأمريكية الشمالية إلى الولايات المتحدة.
ففي السادس من نوفمبر، استقبل دانييل نوبوا وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية، كريستي نويم، لزيارة منشآت يمكن أن تستضيف قاعدة عسكرية أمريكية، إما في مانتا أو ساليناس، كما كان الحال بالفعل خلال العقد الذي سبق صعود رافائيل كوريا إلى السلطة. وفي مواجهة الانتقادات المتعلقة بمخاطر الأضرار البيئية، تم في النهاية استبعاد جزيرة بالترا، في أرخبيل جزر غالاباغوس، على الرغم من أهميتها الاستراتيجية.
إن رفض هذه العودة، الذي أُعلن عنه يوم الأحد، يمنع – في الوقت الحالي – البنتاغون من إعادة ترسيخ وجوده في قاعدته السابقة في مانتا، على ساحل المحيط الهادئ. هزيمةٌ لحقد واشنطن، في ظل تصاعد التوترات في أمريكا اللاتينية عقب الانتشار العسكري الأمريكي الواسع النطاق في البحر الكاريبي لتهديد فنزويلا.
وفي هذا السياق من التدخل الأميركي المتزايد، اختار الناخبون الإكوادوريون النأي ببلادهم عن العسكرة المتزايدة لما يسمى “الحرب على المخدرات” التي أطلقتها واشنطن، وأدان الحملة الإقليمية (العسكرية) التي أسفرت عن انتهاكات لحقوق الإنسان، وسقوط ضحايا من المدنيين، وقليل من النجاح في مكافحة الاتجار بالمخدرات.
رابط المقال على موقع : https://www.sawt-achaab.tn/31463/