
07/07/2025
قصة أول مشروع نووى تونسى إنتهى بحرق كل الوثائق المتعلّقة به...الله يرحم السيد البشير التّركى
كان ذلك بين 1960 و 1968 حين شرعت تونس في مشروع نووي سلمي بقيادة نخبة من العلماء ،إلى أن ما حدث بعد ذلك قصة طويلة .. أغلقت فيه تونس مركز الدرسات النووية ، و احرقت كل وثائقه و مستنداته و طرد كل العلماء ووئد المشروع نهائيا لأسباب شبه مجهولة ...
القصة الكاملة
في عهد الحبيب بورقيبة، شهدت تونس في ستينيات القرن الماضي خطوات جريئة نحو تطوير البحث النووي السلمي، بقيادة مجموعة من العلماء الوطنيين الذين حاولوا إقامة تجربة فريدة تجمع بين إنتاج الكهرباء وتحلية مياه البحر.
كانت أهداف هذا المشروع سلمية ، رغم ان المشروع بدأء في أوله سريا ، إذ كان يهدف لتحلية مياه البحر بقدرة إنتاجية سنوية قدرت 150.00م² يوميا و إنتاج 75 ميغواط يوميا.
طرحت الفكرة الأولى عن طريق محمد علي العنابي اول مفوض تونسي للطاقة الذرية سنة 1959 كانت رؤيته تتمثل في إنشاء مفاعل نووي.
منذ سنة 1962 بدأت رسميا مساعي لإنجاز هذا المشروع فبدأ العمل على إنجاز المركز الوطني للبحوث النووية – CNRN بضاحية قرطاج الذي كان أحد أبرز المشاريع العلمية الطموحة في تونس خلال فترة الستينات، تحت إشراف الدكتور بشير التركي، وكان يُمثّل حجر الأساس لمشروع نووي سلمي شامل.
إستمر إنجازه حولي 4 سنوات ببن 1962 و 1966 بقيادة البشير التركي الذي سيصبح اول رئيس له و حامل حلم المشروع النووي بأكمله ، افتتح المركز رسميا بزيارة الحبيب بورقيبة في 29 ماي 1966 بحضور جملة من العلماء.
يحتوي ذلك المركز على مختبرات في الفيزياء النووية والإشعاعية لتحليل النظائر المشعة ودراسة تأثير الإشعاع على المواد والبيئة ،وحدة التحليل الطيفي والمواد لدراسة المواد المُشعة والنيوترونية ،قسم الهيدرولوجيا النووية لدراسة المياه الجوفية ووحدة تكوين وتدريب لتأهيل الطلبة والباحثين .
من أهم المشاريع التي سيُدرسها مركز الأبحاث الجديد إمكانية استخراج اليورانيوم من رواسب الفوسفات الغنية في تونس. وتشير التقديرات إلى إمكانية استخراج ما يقارب 450 ألف طن من اليورانيوم من 3 مليارات طن من الفوسفات التونسي.
كانت اهم درسات مركز الأبحاث الجديد إمكانية استخراج اليورانيوم من رواسب الفوسفات الغنية في تونس. وتشير التقديرات إلى إمكانية استخراج ما يقارب 450 ألف طن من اليورانيوم من 3 مليارات طن من الفوسفات التونسي.
و كذلك كان الهدف إجراء دراسات مماثلة فيما يتعلق بمعادن تونسية تم اكتشافها في تلك الحقبة والتي قد تنتج ما بين 1000 إلى 1500 جرام من اليورانيوم لكل طن...
وتشمل مجالات البحث الأخرى في المركز النووي بتونس تحلية مياه البحر وتسخير الطاقة الشمسية لاستخدامها في الصناعة.وضعت فكرة إنجاز مفعل نووي من نوع هياڢي واتير رياچتورس" و اقتراح ان يكون في الجنوب التونسي قابس او في صحراء الفوار عكس المشروع النووي في عهد بن علي الذي أقترح ان يكون أما في باجة او صفاقس ...
حسب بعض وثائق الرشيفية ىإىإ ان المشروع ولد سريا بين 1959 و 1960 قبل أن يخضع لتقيمات دولية حسب مراسلات بين وزارة الخارجية التونسية و الوكالة الدولية للطاقة الذرية ،و إلى حدود 1969 تقدمت الأبحاث لدرجة كبيرة بحضور علماء من أمثال البشير التركي ، هدى الدلاقي، مكي الزيدي ...
في شهر مارس 1963 قصد الوكالة الدولية مساعدته في إنشاء هذا المشروع السلمي الإنساني لكنه قوبل بالمماطلة فرجع إلى الوطن ثم اتجه للسوفيت في جوان 1963 وقد قابله المسؤولون (منهم رئيس مجلس الدوما ومدير الوكالة السوفيتية للطاقة الذرية إيميليانوف).
لم تكن الضغوطات الداخلية من دون اسباب ،كتن نتيجة ضغوط خارجية فرنسية و أمريكية رغم انه في العلن كان يوجد دعم امريكي.
يقول بشير التركي في كتابه الجهاد لتحرير البلاد و تشريف العباد "لم يكن الطريق سهلاً، فقد واجهت الكثير من الضغوط السياسية من جهات داخلية وخارجية حاولت تعطيل المشروع..."
نجحت تلك الضغوطات الخارجية و الداخلية بإصدار قرار بإغلاق المركز و هو ماتم بالفعل سنة 1969 يقول التركي "كان هناك مخطط واضح وممنهج لإجهاض مشروع المفاعل النووي، بدأ بمحاولات سياسية لتعطيل التمويل وتجميد الدعم الدولي، وانتهى بإغلاق المركز التونسي للبحوث النووية بالقوة."لم يتوقف الأمر على ذلك بل أنه تمت مصادرة العديد من الوثائق العلمية الحساسة و خرقت سجلات و أبحاث كانت ثمرة لسنوات من الأبحاث.
تذكر ابنة البشير التركي انه وصل الحد بالسلطات لإحراق العديد من وثائق ذلك المركز بعد غلقه ، و يذكر انه صدر و اتلفت العديد من تجهيزات المركز النووي ...
يقول البشير انه تعرض لتهديدات وضغوط سياسية كبيرة من جهات نافذة، حاولت إسكات صوته وإيقاف مشروع كان يؤمن بأنه سيكون ركيزة لتقدم الوطن ،كما يذكر انه لم تكن المعركة فقط مع تقنيات أو مفاعلات، بل كانت صراعا سياسيا حيث حاول البعض إبقاء تونس تحت التبعية العلمية والخضوع للقرارات الخارجية
اقل مايقال عن ذلك المشروع و تدميره نهائيا هو ما قاله البشير التركي في كتابه
"انها حرب إبادة للبحث العلمي بتونس"...