02/04/2025
🔰رحلة من عون أرشيف إلى مدير عام دون شهادة جامعية( قصة من واقع الوظيفة بشخصيات خيالية)
إلتحق بالوظيفة العمومية في سن الواحدة والعشرين( وقت الغفلة) بعد فشله في تجاوز السنة الأولى في الجامعة لسنتين متتاليتين، وشعر أن الأمر يكاد يكون مستحيل بالنسبة لقدراته، لكنه كان إذا سئل عن سبب إنقطاعه يتحجج بالظروف العائلية، ويؤكد أنه كان قرار طوعي، وأنه كان متفوق عندما قرر وضع حد لرحلته الجامعية، وأن زملاءه والأساتذة وعميد الكلية صدموا بقراره، وبذل العميد كل المحاولات لثنيه عن قراره حتى لا تخسر الكلية أفضل أبناءها وأكثرهم تفوق، وأن الكاتب العام لم يستطع أن يحبس دموعه عندما سلمه شهادة المغادرة.
▪️بعد قرار ترسيمه مباشرة تم تكليف بفضل رئيسه المباشر بمهمة بسيطة في الأرشيف الذي لا يزوره أحد إلا نادرا ، وبفضل هذا التفرغ وبفضل رضاء عليه، كان يشارك في كل الدورات والحلقات التكوينية،خاصة تلك التي تكون في النزل والأخرى التي تنظم في المؤسسة كلما إقترب موعد المناظرات الداخلية للترقية.
▪️كان يجمع كل النقاط الممكنة وشهائد الحضور من المشاركة في حلقات التكوين، دون حضور أي واحدة منها، فقد كان يكتفي بتسجيل حضوره بداية اليوم أو يوصي زميله بتسجيل حضوره، وهو على حق في هذا فجل المداخلات بالفرنسية بينما هو متمسك بلغته العربية لا يشاركها لغة أخرى وهذا من باب الإنتماء للعروبة وليس الجهل لا قدر الله. كما أنه يتحصل على الدرجة النهائية في تقييم الآداء السنوي مع ملاحظة "عون كفئ يستحق الدعم" ، والتي يمنحها له الحاج عمر رئيسة المباشر ، المعروف بجبر لخواطر كل أعوانه، فهو يشارف على التقاعد ويريد أن يترك سيرة طيبة بين أعوان مؤسسته، تساعده على قضاء بعض حوائجه بعد تقاعده.
بعد سنوات قليلة إرتقى لرتبة متصرف وأصبح إطار بمؤسسته، بينما أصدقاءه الذين تمكنوا من مواصلة مسارهم الدراسي لم يلحقو بعد بالوظيفة.
لم يبقى لعم بلقاسم غير إنتظار بعض السنوات للتسمية وهي نفس السنوات التي تفصل رئيس المصلحة ورئيسه المباشر عن التقاعد.
وهو في الحقيقة لم يحج لكن نفسه تسعد عند منادتته بهذا اللقب وعم بلقاسم لم يتردد يوما في تلبية هذه الرغبة فلم يكن يناديه إلا بلقب الجاء يريد أن يخلفه فهو صديقه وإبنه المدلل منذ سنوات، لم يستمع منه ولو مرة كلمة "لا"،ولم يعبر يوم عن عدم رضاه على قراراته، والأهم أنه لسنوات كان يقدم له القهوة الصباحية التي تعدل مزاجه، ولا يمانع في قضاء بعض أموره الخاصة عند الحاجة كشراء بعض الخضراوات أو توصيل أبناءه للمدرسة.
▪️المهم أن مكان الحاج عمر بقي شاغرا رغم كل طلبات النقل التي إستقبلها مكتب ضبط المؤسسة لموظفين بمستوى جامعي يخضعون لشروط التسمية. لكن الحاج عمر ترسخت لديه قناعة أن هؤلاء الموظفين أصحاب الشهائد مزعجون لا يفقهون شيئ الإدارة بالإضافة لغرورهم وجدالهم المتواصل في كل صغيرة و كبيرة، كما يصعب عليه تسييرهم وإعطاء التعليمات لهم فهم جامعون أما هو فلم يتجاوز الباكالوريا.
▪️وأخيرا يتقاعد ، بعد أن أوصى بالمكان ل ورفص لسنوات كل مطالب النقل لأي موظف صاحب شهادة أو يخضع لشروط التسمية.وكان له ما أراد،تمت تسمية في خطة رئيس مصلحة. وإنطلقت رحلة تدرجه في الخطط الوظيفية كل سبعة سنوات حسب ما يفرضه ، من رئيس مصلحة إلى كاهية مدير إلى مدير ، وقريبا ستتم تسميته في خطة مدير عام، ومنذ أول تسمية هجر لبس "الدجين" إلى البدلة.
▪️كانت الوصفة السحرية لعم بلقاسم في هذا سهلة وواضحة، قدمها له منذ يومه الأول في الوظيفة، وذكره بها يوم تقاعده.
فقد أوصاه بأن:
"لا تنطق أمام من رؤساءك في العمل بغير نعم والله يبارك ،فالجدال والعناد من صفات الشيطان وعقابه النفي من جنة الوظيفة وإمتيازاتها، ولا تبخل على رؤساءك بالمدح والثناء على ذكاءهم وفطنتهم وكفاءتهم، فالنفس تميل لمن يمدحها ، وتنفر ممن يكثر الجدال أو يعري سوءاتها. ثم إياك أن تظهر لرئيسك أنك تفوقه معرفة أو نباهة فهو سبب كفيل بإستعداءهم ولا قدرة لك عن كف أذيتهم" ، كما أوصاه أن يخفي ما إستطاع مستواه الأكاديمي عن مرؤوسيه ،وأن لا يسمح بالنقاش والإجتهاد فهو باب لفضح مستواه وأن يبعد عنه قدر ما إستطاع كل مجادل نبيه.
"قصة من واقع الوظيفة بشخصيات خيالية"