16/04/2025
سقوط سور معهد المزونة... سقوط أخلاقي وإداري للسلطات المتعاقبة
حادثة سقوط سور معهد المزونة يوم 14 أبريل 2025، التي أودت بحياة ثلاثة تلاميذ وأصابت آخرين، ليست مجرّد "حادث عرضي" أو "قضاء وقدر" كما تحب بعض الجهات الرسمية تبريره، بل هي جريمة بالإهمال، ونتيجة حتمية لسياسات متراكمة من التقصير، واللامبالاة، والتهميش الذي عانت منه الجهات الداخلية لعقود طويلة.
اللامساواة الجغرافية: واقع لم يعد يُخفى
سيدي بوزيد، مهد الثورة، لا تزال تعاني من التهميش نفسه الذي انتفض ضده شبابها في 2011. رغم الوعود المتكررة بتحقيق التنمية العادلة والعدالة الاجتماعية، لم تُترجم هذه الوعود إلى إجراءات فعلية على الأرض، لا في البنية التحتية، ولا في جودة المرافق التربوية، ولا في صيانة المؤسسات التعليمية.
فهل من المعقول أن ننتظر سقوط سور لنتفطّن إلى هشاشة البنية التحتية؟ ألم يكن من الأجدر أن تُخصّص اعتمادات لصيانة المؤسسات التربوية بدل صرف الملايين في مناسبات شكلية واحتفالات بروتوكولية لا تسمن ولا تغني من جوع؟
فساد إداري وتقصير مزمن
السلطات المتعاقبة، سواء على المستوى الجهوي أو المركزي، تتحمّل مسؤولية مباشرة في هذه الفاجعة. فغياب الرقابة الجدية، والتقارير الصورية، وتكرار الحوادث دون اتخاذ قرارات حاسمة، كلها دلائل على أن الإدارة التونسية لا تزال غارقة في بيروقراطيتها العمياء، عاجزة عن الاستباق والفعل، لا تجيد سوى ردّ الفعل.
منذ حادثة الحريق في مبيت المعهد نفسه سنة 2024، كان من المفترض أن تُعلن حالة طوارئ تربوية في الجهة، لا أن ننتظر مأساة جديدة تفتك بأرواح أبنائنا لنفتح "تحقيقًا" سرعان ما يُغلق، أو يُنسى.
التلاميذ يدفعون الثمن
الثمن يدفعه اليوم أطفال في عمر الزهور، لا ذنب لهم سوى أنهم وُلدوا في منطقة مهمّشة، يدرسون في مؤسسات تعليمية مُهترئة، تحت إدارة لا تمتلك من الصلاحيات أو الموارد ما يؤهّلها لتحسين أوضاعهم.
فأين وزارة التربية؟ أين وزارة التجهيز؟ أين مجلس النواب؟ أين دور الدولة الاجتماعي؟ هل أصبحت أرواح التلاميذ مجرّد أرقام تُضاف إلى إحصائيات الموت المجاني في تونس؟
المحاسبة لا ينبغي أن تكون شكلية
المطلوب ليس مجرد لجنة تحقيق "لتحديد المسؤوليات"، بل محاسبة حقيقية، تبدأ من البلديات ودوائر الصيانة المحلية، مرورًا بالمندوبية الجهوية للتربية، وصولًا إلى وزارة الإشراف. كل من قصّر، سواء بالصمت أو بالإهمال أو بالتغاضي، يجب أن يتحمّل مسؤوليته الأخلاقية والقانونية.
خاتمة: الثورة مستمرة طالما الظلم مستمر
حادثة معهد المزونة ليست حادثًا معزولًا، بل عينة من واقع تعليمي مأزوم في تونس ما بعد الثورة. إلى متى تظل الجهات الداخلية تدفع ثمن سياسات مركزية مجحفة؟ وإلى متى يستمر نزيف الأرواح في صمت؟
قد يسقط سور، لكن السقوط الحقيقي هو سقوط دولة لم تعد قادرة على حماية أبنائها، حتى داخل أسوار مدارسهم.