23/08/2025
في الفترة الأخيرة قد يكون لاحظ الكثيرون تغيّر نبرة الخطاب تجاه سوريا، حيث تبخّرت الخلافات والصراعات العلنية، وأصبح الجميع تقريبًا يتحدث بنفس اللغة والنهج وحتى بنفس المفردات عند الحديث عن الدولة السورية.
بل إن بعض الدول العربية انساقت وراء هذا الخطاب بشكلٍ متطابق، وكأن هناك تنسيقًا موحّدًا (رغم غيابه فعليا ).
الحقيقة أن ما يجري مرتبط بالمنافسة بين المحور الغربي والمحور الشرقي على النفوذ، ومنطقتنا واحدة من أهم مناطق هذا الصراع. كل طرف يسعى لجذب سوريا والمنطقة إلى صفه، لأن السيطرة هنا تعني أوراق قوة في معركة أكبر.
ينبغي أن نفهم أن الحرب لا يُخطط لها علنًا. الإعداد لها ليس لحظة اندلاعها، بل عملية طويلة ومعقدة تبدأ من بناء علاقات اقتصادية واستثمارات استراتيجية، وتثبيت المصالح، بحيث تُستخدم هذه الأوراق وقت الحاجة. هذا ما يُعرف بـ”الاستعداد الاقتصادي”، وهو في جوهره عمل سياسي يهدف إلى ضمان التفوق وردع الخصم قبل أن يفكر بالاعتداء.
من يظن أن الحرب تبدأ مع أول طلقة فهو مخطئ؛ فعندما تسمع طبول الحرب فهذا يعني أن مرحلة التحضير انتهت، وأن الوقت فات على أي استعداد جديد. الحرب الحقيقية تبدأ قبل ذلك بكثير: في التفاصيل الصغيرة، في سدّ الثغرات، في تأمين نقاط الضعف.
ولنا مثال واضح في أوروبا التي وجدت نفسها مرتبكة أمام ورقة الغاز الروسي في حرب أوكرانيا، إذ لم تستطع أمريكا ولا غيرها سدّ حاجتها من الغاز، كما أن بدائل الاستيراد من الخليج مكلفة بسبب النقل البحري.
وهنا يبرز المقترح /
🔴 خط الغاز قطر – تركيا:
خط أنابيب كان مطروحًا منذ سنوات، يبدأ من قطر مرورًا بالسعودية والأردن وسوريا وصولًا إلى تركيا ومنها إلى أوروبا.
**الهدف منه كان تزويد أوروبا بالغاز عبر اليابسة بدل الاعتماد على روسيا.
لكن المشروع تعثر:
1️⃣ . سوريا رفضته عام 2009 لأنها لا تريد منافسة روسيا، حليفها الاستراتيجي.
2️⃣ . أحداث 2011 وما رفقها من أحداث مروعة وعقوبات الدولية جعلت مرور أي خط عبر سوريا أمرًا مستحيلًا .
مع ذلك، يبقى هذا المشروع ورقة استراتيجية هامة.
إنجاز الخط يعني أن أوروبا ستتخلى تدريجيًا عن الغاز الروسي وتتحرر من هيمنته .
لذلك سيبقى هذا الملف حاضرًا في حسابات القوى الكبرى. ليس صدفة أن أول دولة أوروبية زارت سوريا بعد عزلتها كانت ألمانيا وكان ملف الغار حاضرا ، وأنه عندما زار وزير الخارجية موسكو كان ملف الغاز حاضرًا بقوة كذلك.
هذا الخط ليس مجرد أنبوب غاز، بل شريان حياة يتضمن طرقًا وسككًا حديدية وشبكات كهرباء تربط الخليج بأوروبا، وتربط تركيا ولبنان بالعالم العربي.
لذلك هو مشروع جيواستراتيجي ضخم.يحقق مصالح دول عدة على مدى الطويل . طبعا من الطبيعي أن تسعى إسرائيل لعرقلته، لأنها لا تريد قيام إقليمية أكبر منها في المنطقة .
والله أعلم
مركز وطن للدراسات