18/07/2025
إخوتي العلويين خصوصاً
إخوتي السوريين عموماً
لسنا بحاجة إلى تذكيرٍ جديد بأننا دفعنا الفاتورة الأغلى.. ولا نقولها مزايدةً، بل شهادة تُكتب بالدم:
كنا وحدنا في الجبهتين.. مذبوحين منسيين مرميين في النظامين: السابق والحالي.
نحترم كل مكوّن شارك في هذا الألم السوري الطويل، الذي امتد لعقد ونيّف من الزمن.. ونقرُّ للجميع بآلامهم وجراحهم.
لكن الحق يُقال: لم يُذبح أحد كما ذُبحنا، وبذات وقت الذبح لم يُشوّه أحد كما شُوّهنا، ودفعنا من الكرامة والدم والسمعة، دون أن نستوفي أي ثمنٍ ولا نحقق أي مكسب.
وفي زمنٍ انقلبت فيه الموازين، وأصدق ما يُقال فيه هو قول أمير المؤمنين (ع):
«يأتي على الناس زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل».
يا إخوتي:
لقد صمتنا كثيراً، وتعبنا من الصراخ في الفراغ، لكن آن الأوان أن نُصغي إلى الصوت القادم من أعماقنا، الصوت الذي صدح به الإمام الرضا (ع): «يأتي على الناس زمان تكون العافية عشرة أجزاء تسعة منها في اعتزال الناس وواحدة في الصمت».
فليكن لنا شرف الصمت الواعي، لا الصمت العاجز، صمت من يبني داخله.. لا من يهرب من واقعه.. ولا من يعلق الإرادة على الأوهام.. ولا من يأسر ذاته في ضيق الأفهام.
ولنعترف بمرارة أن وجهاءنا، دينيين كانوا أو مدنيين، لم يكونوا على قدر الكارثة.. ولا حتى على ربع مستوى الألم.
انشغلوا بأنفسهم، بخلافاتهم الصغيرة، وأنــــاهــــم، وطموحاتهم الضيقة.
بينما كانت أمهاتنا تحرس جثامين أبنائها في العراء، وكانت قرانا تُنهش، وتاريخنا يُطمس، ومصيرنا يُكتب بأيدي غيرنا.
ولكن لن يسمع منا أحد أي خروج عن الأدب فكنا نقول وسنبقى: وفق الله الجميع إلى ما فيه رضاه وحسبنا الله ونعم الوكيل.
إخوتي، أحبتي:
أما آن أن نعود إلى الله؟
أن نعيد تعريف العلوية بمعناها الإيماني لا السياسي؟
أن نعيدها إلى جذورها التي قال فيها الإمام العسكري (ع): «خصلتان ليس فوقهما شيء: الإيمان بالله، ومنفعة الإخوان».
فوالله، لا نجاتنا بالدنيا، ولا عزتنا في الآخرة، تُبنى على اصطفافٍ طائفي أو عنادٍ سياسي..
بل على طهارة القلب، وصدق العقيدة، ووحدة الصف.
واللهِ ما كانت نجاتنا يوما إلا بتمسكنا بديننا، وبالعودة الصادقة إلى الشريعة الغرّاء التي جاء بها محمدٌ وآله الطاهرون.
وليست الشريعة تلك التي رفعتها السيوف بل رسالة محمد ص بجوهرها.. ميزان العدل، ونبع الرحمة، وروح الأخلاق.
فوالله ما هانت دماؤنا، ولا تاه أبناؤنا، ولا سُلبت كرامتنا، إلا لما ضعفت صلتنا بهذا المنهج، وترك البعض ممن نسب إلينا الحلال والحرام خلفه.
فركضنا وراء معارك الآخرين، ناسين أن خلاصنا في الصدق والطهارة والتقوى، لا في قوة السلاح ولا في تحالف المصالح.
يا إخوتي:
تذكّروا وصية أمير المؤمنين علي عليه السلام، يوم قال:
«كن في الفتنة كابن اللبون، لا ظهر فيُركب، ولا ضرع فيُحلب».
لا تجعلوا ظهوركم مطايا لحروب غيركم.. ولا صدوركم خزّاناً لحقد أحد..
لا تركبوا موجاً لا تعلمون إلى أين سيقذفكم، ولا تمدّوا يداً تعبث بكم ثم ترميكم ساعة تريد.
اعتزلوا فتنتهم، واطفئوا نيران أحقادهم بالصبر، والدعاء، والتماسك، والرجوع إلى الله، والتفاف القلوب على الإيمان لا الأوهام.
واحذروا أن تتحوّل الفتنة إلى قدر
فالله ما خلقكم لتكونوا ضحية دائمة، بل لتكونوا شهوداً على الصبر والصدق والثبات..
ووالله، ما ضاع من لجأ إلى الله..
وما خُذل من سار على نور محمد وآل محمد، مهما اشتدت الظلمة، وطال الليل.
عودوا إلى الله، إلى الشريعة المقدسة، إلى ولاية أمير المؤمنين..
واخلعوا عن قلوبكم حزازات الحقد والتفرقة، فما عاد في الوقت متسعٌ لمعارك الداخل، ولا لأنا النفس..
ومن آنس بالله، استوحش من الناس.. ومن صدق مع الله، جمع القلوب بعد أن فرقتها الدنيا.
وإلى أخوتنا أبناء سورية:
تعالَوا نُطفئ نارَ الفتنة، ونُنقذ وطناً نُحبّه جميعاً، حتى لو اختلفنا في كل شيء..
فـ ســــــوريـــا ليست ملكاً لفئة، ولا إرثاً لطائفة، بل وطنٌ يذوب كلّ يوم بين أيدينا، ولن يبنيه إلا من يؤمن أن الحبّ والعدل أقوى من الدم، وأن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا.
اللهم اجعلنا ممن يستيقظون قبل فوات الأوان، وممن يحسنون الختام، لا من يغرّهم كذب الانتقام.
إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.
أقلكم وأدناكم وكلكم أعلى وأسمى ان شاء الله: محمد عبدالله ميهوب