27/10/2025
مقــالات
📰السودان… جارةُ القلب وشقيقةُ النيل📰
بقلم ✏️: خالد جمال عبد الحميد
صحفي واعلامي مصري
منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل/نيسان 2023 بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا «الدعم السريع»، ينزف السودان جراحًا مفتوحة، ويشهد تدميرًا ممنهجًا للنسيج الاجتماعي والبنية المدنية. وعلى الرغم من السؤال السياسي الكبير الذي أشعل الشرارة أول الأمر، فإن ما يجري اليوم في دارفور ولا سيما في الفاشر يتجاوز الصراع على السلطة إلى نمطٍ من الانتهاكات البشعة بحق المدنيين، من قتلٍ جماعيٍّ ونهبٍ وتشريد. وقد وثّقت هيئات دولية وحقوقية متطابقة أنماطًا من القتل على الهوية والعنف الجنسي والهجمات على المرافق الصحية.
وشهدت الفاشر خلال الشهور والأسابيع الأخيرة ضرباتٍ وقصفًا واقتحاماتٍ من قِبل «ميليشيات الدعم السريع» وحلفائه أسفرت عن عشرات القتلى وموجات جديدة من النزوح، وسط تحذيرات أممية متكررة من انتهاكات جسيمة قد تحمل طابعًا إثنيًّا. ففي الفترة بين 7 و10 أكتوبر 2025 وحدها قُتل ما لا يقل عن 53 مدنيًا وجُرح أكثر من 60 آخرين في هجماتٍ شملت قصفًا لمستشفى ومسجد قرب مخيم النازحين، بحسب مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. كما وثّقت الأمم المتحدة خلال أغسطس 2025 مقتل 89 مدنيًا خلال عشرة أيام في دارفور على أيدي «ميليشيات الدعم السريع».
اما حصيلة الحرب بالأرقام (حتى 27 أكتوبر 2025)
• القتلى: تقديرات عدة مصادر تتراوح من نحو 30–31 ألف قتيل حتى نهاية 2024 وفقًا لقاعدة بيانات النزاعات (ACLED)، إلى أكثر من 40 ألف قتيل وفق إفادات وتقارير أممية وإعلامية حديثة في 2025. هذه الفجوة تعكس اختلاف المنهجيات وصعوبة الوصول، لكن الاتجاه العام واضح: المنحنى تصاعدي وقاسٍ.
• الجرحى: تقدير أكاديمي مُحكَّم يشير إلى أكثر من 42 ألف مصاب حتى مارس 2025، مع الإقرار بأن الحصيلة الحقيقية أعلى بسبب الانهيار الصحي وصعوبة الإحصاء.
• النزوح واللجوء: الأزمة تُعدّ الأكبر عالميًا اليوم؛ سجّلَت الـIOM/DTM ما يقارب 9.8–10 ملايين نازح داخلي بحلول أغسطس 2025، بينما تُجمِّع بوابة مفوضية اللاجئين أرقامًا محدثة ترفع العدد الإجمالي للمُهجَّرين قسرًا (داخل السودان وخارجه) إلى نحو 11.7 مليونًا حتى 20 أكتوبر 2025.
• الهجمات على الرعاية الصحية: تصاعدٌ حاد؛ قُتل قرابة ألف شخص عام 2025 أثناء تلقي أو مرافقة الرعاية، مع توثيق عشرات الاعتداءات على المرافق والكوادر الطبية.
هذه الأرقام على تباينها تجتمع على حقيقة واحدة: المدنيون يدفعون الثمن الأفدح، ومليشيا «الدعم السريع» تتحمّل القِسط الأكبر من الانتهاكات في دارفور والفاشر على وجه الخصوص، بحسب تقارير أممية وحقوقية متواترة.
اما عن الدعم الخارجي لـ«ميليشيات الدعم السريع»
فتكررت الاتهامات—سودانية ودولية—بوجود دعمٍ خارجيٍّ للمليشيا، خصوصًا عبر مسارات تسليحٍ غير مشروعة. تحقيقٌ لمنظمة العفو الدولية في مايو 2025 حدّد ذخائر ومنظومات صينية متقدمة وصلت إلى يد «الدعم السريع»، ورجّح أنها «قُدِّمت عبر الإمارات» في خرقٍ لحظر السلاح—وهو ما تنفيه أبوظبي رسميًا. كما نُظرت دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم الإمارات بـ«التواطؤ في الإبادة» عبر دعم «الدعم السريع»، مع نفيٍ إماراتيٍ قاطع. وللدقّة المهنية، أشارت وكالة «رويترز» إلى أن تقريرَ خبراءِ الأمم المتحدة المنشور في أبريل/نيسان 2025 لم يجد «أدلة مُثبتة» على تقديم الإمارات أسلحةً للمليشيا، مقابل اتهاماتٍ وتقارير أُخرى ترى خلاف ذلك.
وبالنسبة لإسرائيل، فقد أشارت تحليلات وبحوث إلى روابط سياسية وأمنية سابقة بين قيادات «الدعم السريع» وجهاتٍ إسرائيلية ضمن سياقات ما قبل الحرب ومسار التطبيع، دون حسمٍ قضائي بشأن دعمٍ عسكري مباشر خلال النزاع الحالي. يظل ذلك حقل اتهاماتٍ وتحليلات يتطلب توثيقًا قضائيًا قاطعًا.
إن دعمنا للجيش السوداني—باعتباره مؤسسة الدولة الشرعية—ليس تفويضًا على بياض، بل مساندةٌ لواجبه الدستوري في حماية المواطنين ووحدة التراب ومحاربة التشكيلات غير النظامية التي تمارس القتل والنهب وترتكب جرائم ضد المدنيين. إن تجريم مليشيا «الدعم السريع» والمطالبةُ بمحاسبة قادتها ومموليها المحتملين باتت ضرورةً إنسانية قبل أن تكون مطلبًا سياسيًا. وقد فرضت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي عقوبات على قياداتٍ في «الدعم السريع» على خلفية الانتهاكات الواسعة، ما يعكس اتساع الاعتراف الدولي بخطورة ما يجري.
اما ما اطالب به اليوم تتلخص في عدة نقاط :
1. فك الحصار عن الفاشر وممرّات إنسانية آمنة بإشراف أممي، مع تحقيقٍ مستقلٍّ في المجازر الأخيرة ومحاسبة الجناة.
2. دعمٌ عاجل لمنظومة الصحة وحماية المستشفيات والعاملين فيها وفق القانون الدولي الإنساني.
3. حظرٌ مُحكَم على تسليح المليشيات وتتبع مسارات السلاح ووقف أيّ دعمٍ خارجي لها، مع احترام قرارات مجلس الأمن والتحقيق في الخروقات المزعومة.
4. مساندة الجيش السوداني في إعادة بسط الأمن وإنهاء فوضى السلاح، بالتوازي مع مسارٍ سياسي يُعيد المدنيين إلى قيادة الدولة بعد إنهاء التمرّد.
كلمتي الاخيرة للسودان فهي في هذا البيان
السودان ليس خبرًا عابرًا فهي شقيقةُ مصر وعُمقُها الإفريقي والعربي، وجرحُه جرحُنا. الوقوف مع القوات المسلحة السودانية في معركتها ضد مليشيا «الدعم السريع» هو وقوفٌ مع حقِّ الشعب في الحياة والكرامة، ومع دولةٍ تسعى لردع الإجرام وإغلاق باب الفتنة. الفاشر اليوم تنادي ضمير الإنسانية كلِّها؛ فلنُصغِ إلى النداء بالقلم والموقف والإسناد الإنساني والقانوني حتى تُطفأ النيران، ويعود السودان إلى أهله كما عهدناه بلدًا للكرامة والعدل والسلام.