18/10/2025
الرقة بعد سيطرة “قسد”.. مدينة تمزقها المخدرات والتفكك الاجتماعي
تقرير: ريم الناصر - الرقة
تشهد مدينة الرقة في شمال سوريا واقعًا اجتماعيًا وإنسانيًا معقدًا منذ سيطرة ميليشيا قسد عليها، حيث لم تتوقف معاناة السكان عند حدود الحرب والدمار، بل امتدت لتطال البنية المجتمعية وتغيّر ملامح المدينة التي عُرفت يومًا بعراقتها وتماسكها الاجتماعي.
⸻
نزوح الأهالي وتغيّر هوية المدينة
لا تزال نسبة كبيرة من سكان الرقة الأصليين خارج مدينتهم حتى اليوم، إذ نزح بعضهم إلى محافظات سورية أخرى، بينما لجأ آخرون إلى تركيا وأوروبا هربًا من ظروف الحرب وانعدام الأمن. أما من بقي من أبناء المدينة فهم قلّة يعيشون وسط واقع اجتماعي متبدّل بالكامل.
في المقابل، شهدت الرقة استقرار عدد كبير من العائلات الوافدة من مختلف المناطق السورية، بعضها جاء هربًا من الملاحقات الأمنية أو بحثًا عن فرص عمل. هذا التغيّر الديموغرافي أدى إلى اختلاط مجتمعي غير متوازن غيّر ملامح الرقة المحافظة وعاداتها الراسخة.
⸻
سيطرة تمتد من الأرض إلى المجتمع
منذ سيطرة ميليشيا قسد، لم تقتصر قبضتها على الأرض والمؤسسات، بل تجاوزتها إلى النسيج الاجتماعي والسلوك العام.
وتشير مصادر محلية إلى أن مجموعات تابعة للميليشيا سمحت بانتشار ترويج المخدرات قرب المدارس والأحياء الشعبية، بأسلوب منظّم يشبه أساليب العصابات، ما جعل المخدرات جزءًا من الحياة اليومية للمراهقين والشباب.
النتيجة كانت واضحة: انتشار الإدمان بين فئات الشباب والفتيات، وتحول الظاهرة إلى أزمة اجتماعية خطيرة تهدد استقرار الأسر وتفكك القيم الأخلاقية داخل المجتمع.
⸻
تفكك أخلاقي غير مسبوق
يصف أهالي الرقة المشهد اليوم بأنه حالة “تفكك أخلاقي واجتماعي غير مسبوق”، إذ فقدت المدينة التي كانت تُعرف بتمسكها بالعادات والتقاليد المحافظة هويتها شيئًا فشيئًا، وتحولت إلى بيئة تتصاعد فيها مظاهر الانحلال والانفلات الاجتماعي.
⸻
فتيات في قبضة الإدمان والاستغلال
في مشهدٍ صادم يتكرر يوميًا داخل شوارع الرقة، تزداد أعداد الفتيات اللواتي وقعن ضحايا للإدمان والاستغلال. معظمهن وافدات إلى المدينة بحثًا عن الأمان أو لقمة العيش، لكنهن وجدن أنفسهن في دوامة من المخدرات وشبكات منظمة تستغل حاجتهن وضعفهن.
تتجمع هؤلاء الفتيات في أماكن معروفة داخل المدينة، بانتظار سيارات تابعة لعناصر من “قسد”، ضمن شبكات ترويج تعمل في الخفاء. تبدأ القصة بجرعات مجانية، ثم يتحول الثمن إلى استغلال جسدي ونفسي، قبل أن تُجبر بعض الفتيات على أدوار أكثر خطورة.
وتشير شهادات محلية إلى أن بعض الفتيات يُستخدمن للإيقاع بشخصيات اجتماعية معروفة، عبر علاقات مدبّرة يتم تصويرها خلسة في أماكن مزوّدة بكاميرات خفية، ثم تُستخدم التسجيلات لاحقًا في الابتزاز المالي والمعنوي. وما إن تنتهي المهمة، تختفي الفتاة في ظروف غامضة، وكأنها لم تكن.
⸻
خوف وصمت تحت قبضة أمنية مشددة
ورغم إدراك سكان الرقة لما يجري حولهم، إلا أن الخوف من الملاحقة والاعتقال يمنع أي محاولة للاعتراض أو فضح هذه الممارسات. فكل من يحاول الحديث عنها علنًا يواجه خطر الاعتقال من قبل أجهزة “قسد”، ما جعل الصمت هو الخيار الوحيد أمام الأهالي.
⸻
مدينة على حافة الضياع
الرقة اليوم ليست تلك المدينة التي كانت تُعرف بصفائها الاجتماعي وأصالتها، بل أصبحت مدينة أنهكتها الحرب ثم أنهكها الانحلال الاجتماعي المقصود. جيلٌ كامل يعيش في بيئة ملوّثة فكريًا وأخلاقيًا، يفتقد إلى الأمان والتوجيه والقدوة.
وإذا استمر هذا الواقع دون تدخل حقيقي أو حلول جذرية، فإن مستقبل الرقة مهدد بالضياع الكامل، ليس فقط على مستوى الإعمار والعمران، بل على مستوى الإنسان والقيم التي شكّلت هوية هذه المدينة عبر عقود.