10/17/2025
طريق السلام المتعرج ! وقف إطلاق النار في غزة
مراحل الاتفاق وخطة ترامب
تمثل الحرب في غزة واحدة من أكثر الأزمات تعقيدًا وإيلامًا في العصر الحديث و وسط الدمار الإنساني والخسائر الفادحة تبرز جهود دولية ومحلية متعددة لتحقيق وقف إطلاق النار والدخول في عملية سياسية تؤدي إلى سلام دائم ،، تتداخل في هذا المشهد مبادرات مختلفة أبرزها خطة وقف إطلاق النار التي تروج لها الولايات المتحدة ومصر وقطر بالإضافة إلى "صفقة القرن" أو خطة ترامب للسلام التي عادت إلى الواجهة !
لم تكن محاولات وقف إطلاق النار خطًا مستقيمًا بل سلسلة من المفاوضات المتعثرة التي تعكس الهوة الكبيرة بين طرفي النزاع حركة حماس من جهة وحكومة إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو من جهة أخرى ،،
إن الوقف المؤقت وتبادل الأسرى هي المرحلة التي كانت محور معظم المفاوضات وتقوم على وقف إطلاق النار المؤقت كمرحلة أولى و تبادل الأسرى والمرضى و الإفراج عن عدد من الرهائن الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية و السماح بزيادة المساعدات الإنسانية و دخول كميات أكبر من الغذاء والدواء والماء إلى قطاع غزة المحاصر و في هذه المرحلة من جهة حماس: أصرت على ضمان وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من غزة وهو ما رفضته إسرائيل بشدة ! و من جهة إسرائيل: رفضت أي اتفاق يمنعها من مواصلة العملية العسكرية حتى "تحقيق أهدافها المعلنة" المتمثلة في تدمير قدرات حماس وتحرير جميع الرهائن !
أما عن المرحلة الانتقالية وإعادة الإعمار إذا نجحت المرحلة الأولى يمكن الانتقال إلى مرحلة أكثر تعقيدًا تشمل إعادة إعمار غزة تحت إشراف دولي وبمشاركة جهات فلسطينية (مختلف عليها هل هي السلطة الفلسطينية المعدلة أم حكومة تكنوقراط ) و ترتيبات أمنية طويلة الأمد حول حدود غزة وإدارة المعابر و بدء مفاوضات حول الوضع النهائي والتي تتعلق بقضايا جوهرية مثل القدس واللاجئين والحدود ثم تأتي المرحلة الثالثة فى الحل السياسي الشامل و هذه هي المرحلة الأصعب والتي فشلت كل المفاوضات السابقة في تحقيقها وهي تتطلب معالجة جذرية للقضية الفلسطينية عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل أو أي نموذج آخر متفق عليه !
و عن خطة ترامب لتحقيق السلام في المنطقة و مع استمرار الحرب عادت للظهور "صفقة القرن" التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عام 2020 بينما يرى مؤيدوها أنها "خطة واقعية" يرفضها الفلسطينيون ومعظم المجتمع الدولي باعتبارها منحازة بشكل كامل لإسرائيل ،،
أبرز ملامح خطة ترامب:
1. السيادة الفلسطينية المحدودة إذ تقترح الخطة منح الفلسطينيين كيانًا ذا حكم ذاتي محدود على أجزاء متقطعة من الضفة الغربية وقطاع غزة دون سيادة كاملة على المجال الجوي أو الحدود !
2. القدس عاصمة غير مقسمة لإسرائيل تظل القدس بأكملها عاصمة موحدة لإسرائيل مع منح الفلسطينيين عاصمة في أحياء خارج الأسوار (مثل أبو ديس) ،،
3. الاستيطان غير القابل للتراجع تسمح الخصة بضم إسرائيل للمستوطنات الرئيسية في الضفة الغربية مما يقطع أوصال الأراضي الفلسطينية جغرافيا !
4. نفي حق العودة للاجئين الفلسطينيين ،، ترفض الخطة بشكل قاطع حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم داخل إسرائيل وتقتصر على تعويضات أو إعادة توطين في الدولة الفلسطينية المستقبلية أو دول أخرى ،،
5. نزع سلاح غزة ! تشترط الخطة نزع سلاح قطاع غزة بالكامل وتفكيك قدرات حماس والجهاد الإسلامي ،،
تحليل الخطة في سياق الحرب الحالية:
· من وجهة النظر الإسرائيلية اليمينية تُعد الخطة أساسًا ممتازًا للمفاوضات خاصة أنها تلبي معظم المطالب الأمنية والتاريخية لإسرائيل ،،
· من وجهة النظر الفلسطينية والعربية تُعتبر الخطة "إعلان استسلام" وتكريسًا للاحتلال وقد رفضتها القيادة الفلسطينية بشكلها المعلن و طلبت بعض التعديلات لان فرض مثل هذه الخطة في ظل الظروف الراهنة يعتبر مستحيلاً من الناحية العملية والسياسية
إن الطريق إلى وقف إطلاق النار والسلام في غزة محفوف بالتحديات الجسيمة و الان تتصارع روايتان ! رواية تركز على الأمن إذ ترى إسرائيل وحلفاؤها أن تدمير حماس هو الضمان الوحيد للأمن ومنع تكرار هجمات 7 أكتوبر و رواية تركز على الحقوق إذ يرى الفلسطينيون ومعظم العالم أن السلام الحقيقي لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة ،،
في هذا السياق تظهر خطة ترامب كرؤية أحادية الجانب تفتقر إلى التوازن بينما تبقى مفاوضات وقف إطلاق النار خطوة إنسانية ملحة لكنها غير كافية لحل جذري ،، المستقبل يحمل أحد سيناريوهين إما انتصار قوة واحدة على الأرض وفرض حل قد يخلق سلامًا هشًا وغير مستقر أو العودة إلى عملية سياسية حقيقية تقوم على المفاوضات المباشرة والاعتراف المتبادل والحل القائم على دولتين وهو المسار الذي يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن لكنه يبقى الخيار الوحيد لتحقيق سلام عادل ودائم ،،
إن العودة إلى غزة ليست مجرد عودة جغرافية بل هي قضية سياسية وإنسانية معقدة ترتبط بمستقبل الصراع بأكمله وطبيعة الحل السياسي النهائي ! خصوصاً مع أوضاع إنسانية صعبة فمعظم سكان غزة البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون نسمة يعانون من نزوح داخلي مع تدمير كبير في البنية التحتية والسكن و تدمير أكثر من 60% من المساكن في غزة و تلوث البيئة بالمتفجرات والأنقاض و نقص حاد في المياه الصالحة للشرب والخدمات الأساسية و مع ذلك فإن حق العودة تعتبر حقاً أساسياً غير قابل للتصرف مع ضرورة العودة لبدء إعادة الإعمار و الحفاظ على الوجود الفلسطيني في غزة حتى مع المخاوف الاسرائيلية من عودة قد "تعيد تعزيز قدرات حماس" و رغبة إسرائيل في إعادة ترتيب الأوضاع الديموغرافية والأمنية من خلال وضع شروط أمنية مسبقة للعودة
اما عن التحديات العملية تتلخص في ثلاث نقاط :
اولاً التمويل: تقديرات إعادة الإعمار تتراوح بين 30-50 مليار دولار
ثانياً الهيكل الإداري: من سيدير عملية إعادة الإعمار والعودة؟
ثالثاً الضمانات الأمنية: كيف تمنع تكرار الصراع؟
و عن المستقبل المحتمل فمن المرجح أن تتم عملية العودة بشكل تدريجي مع بدء العودة للمناطق الأقل تضرراً أولاً و إنشاء مخيمات مؤقتة أثناء عمليات إعادة البناء فى وجود مراقبة دولية محتملة ،،
ونحن فى انتظار خطوات أخرى بعد زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة و جهود الوسطاء المصريين و القطريين و الأتراك لضمان عدم العودة إلى الخلف و دعم الاتفاق و الضغط على الطرفين خصوصاً مع دعم كافة دول العالم لنجاح هذه الخطة ،، اخيراً نتمني تحقيق آمال الشعب الفلسطيني فى وقف دائم لإطلاق النار فى غزة و ترجمة هذا الإتفاق على أرض الواقع بعد كل هذه المعناة من القتل و التدمير و التجويع لمدة عامين ،،