01/02/2023
خدع الجميع وانتزع لنفسه مقعدا فى الكونغرس
مهاجر برازيلى فهلوى يستهزئ بديمقراطية أمريكا
واشنطن : محمد يوسف وردى
خاض المهاجر البرازيلى جورج سانتوس ( ٣٤ عاما ) انتخابات نوفمبر الماضى فى احدى دوائر نيويورك على بطاقة الحزب الجمهورى ,متسلحا بسيرة ذاتية مثيرة للإعجاب - تقول أنه مثلى يهودى برازيلى أوكرانى إفريقي لديه جذور فى أنجولا - أقنعت فيما يبدو الناخبين والممولين على حد السواء, ما مكنه من صنع التاريخ وانتزاع مقعد ديمقراطى عزز به الأغلبية الضئيلة للجمهوريين فى مجلس النواب . وقد أحدث فوزه دويا لكونه مؤيدا متحمسا لترمب .
وفى وقت كان سانتوس يجرى استعدادته لمراسم أداء اليمين الدستورية ويعد لرحلات أنصاره من نيويورك الى العاصمة لحضور أداء اليمين.خرجت صحيفة نيويورك تايمز بتحقيق صاعق - بعد رجوعها لوثائق عامة وقضائية - أثار الشكوك حول سيرته الذاتية ,ما شجع أجهزة الاعلام على ملاحقته والتدقيق فى المعلومات المضللة التى استشهد بها فى حملته الانتخابية وثبتها فى موقع حملته على الانترنيت بخاصة مؤهله العلمى وتاريخه الوظيفى بالاضافة لمعاملاته المالية وسجله فى الاعمال الخيرية …. ادعى سانتوس أنه خريج جامعى بدرجة الماجستير وأنه عمل سابقا فى مؤسسات وول استريت المرموقة مثل غولدمان ساكس وسيتى قروب , علاوة على تأسيسه جمعية خيرية لانقاذ الحيوانات أنقذت مايربو عن ٢٥٠٠ من الكلاب والقطط.وزعم سانتوس أنه رجل ثرى فى محال تمويل الشركات وأنه يملك ١٣ عقارا .وقدم خلال حملته تفاصيل غير متسقة حول والدته حيث قال إنها كانت تعمل فى مكتبها فى البرج الجنوبى عندما وقع الهجوم الارهابى فى ١١ سبتمبر .ثم كتب لاحقا فى تويتر أنها توفيت بالسرطان فى ٢٠١٦ بعد ١٥ عاما من أحداث سبتمبر وكذب بشأن مهنتها أيضا حيث اتضح أنها كانت تعمل مديرة منزل وفقا لنيويورك تايمز.من جهة أخرى خاض سانتوس الانتخابات كيهودى وقال أنه زار اسرائيل فخورا بوصفه أمريكيا يهوديا و زرف الدموع فى المعابد المحلية خلال حملته مدعيا أن أجداده نجوا من الهولوكوست كلاجئين اوكرانيين فروا الى بلجيكا حيث غيروا لقب العائلة للبقاء على قيد الحياة . لكن شبكة سى ان ان دحضت ذلك بعد الرجوع لسجلات متحف الهولوكست والمركز الدولى للاضهاد النازى والتى تحتفظ باسماء اللاجئين اليهود.ثم تتبعت تاريخ عائلته وأثبتت أن أجداده ولدوا فى البرازيل وأنهم من السكان الأصليين. ولاحقت أجهزة الاعلام النائب الجديد بشأن مثليته وأوضحت بعد الرجوع للسجلات القضائية أنه كان متزوجا من امرأة حتى العام ٢٠٢٠.
وجد سانتوس نفسه فى هوة بعد تفحير التايمز لقصة تضليله الناخبين والممولين فحاول الخروج من الهوة عن طريق تقديم الاعتذار ظنا منه بأن اعترافه بالكذب لن يؤثر على أدائه القسم والاحتفاظ بمقعده فى مجلس النواب ,فاعترف بذكر أشياء غير حقيقية فى سيرته . لكن بمجرد اعترافه بفبركة تفاصيل سيرته انهالت عليه الضغوط مجددا لأنه تعمد ترك الاسئلة بدون اجابات بالذات مايتعلق منها بالشؤن المالية وقدرته على انفاق ٧٠٠ الف دولار على حملته الانتخابية لعام ٢٠٢٢, بينما كان قد ذكر فى اقرار مالى فى عام ٢٠٢٠ أنه ليست لديه أصول أو دخل مكتسب مكتفيا بذكر عمولة تزيد قيمتها عن ٥ ألف دولار فقط ,ثم قدم فى ٢٠٢٢ اقرارا بلغ ١١ مليون دولار .ناهيك عن التقارير الصحفية التى تتحدث عن اجلائه من السكن بسبب عدم سداد الايجار وأنه خسر قضية فى محكمة خاصة بمطالبات مالية وحكم عليه بدفع ٥ ألف دولار زائدا الفائدة بعدما اقترض أموالا من صديق له.بالاضافة ألى أن التدقيق فى سجله أوضح أنه واجه اتهامات جنائية بتهم الاحتيال عندما كان يعيش فى البرازيل واعترف لاحقا بالجريمة حسبما اوردت التايمز.ويذكر أن تقريرا صدر حديثا فى صحيفة ديلى بيست اتهمه بتلقى أموال من رجل مال روسى يمت بصلة لصديق مقرب للرئيس الروسى فلاديمير بوتين وخاضع للعقوبات.اعترف سانتوس بأنه لفق بالفعل أجزاء مهمة فى سيرته الذاتية وقال أنه لم يتخرج من أى مؤسسة تعليمية عليا وأنه لم يعمل فى غولدمان ساكس أو سيتى قروب وأكد أنه مثلى متزوج من رجل وأنه لا يملك اية عقارات وأنه يعيش فى منزل شقيقته وليس فى منزل أمه كما أورد أثناء حملته.
عمل سانتوس وكيل خدمة عملاء باللغة البرتغالية فى احدى شركات الاتصال. لكن فى مخاطباته أثناء الحملة الانتخابية تحدث عن قصص نجاح حققها .واليوم يطالبه خصومه الديمقراطيون ان يكشف للناس كيف نجح - لان الناخبين فى الدائرة الثالثة فى نيويورك ربما صوتوا له بناء على المعلومات المضللة التى قدمها لهم - وأن يقدم اجابات واضحة تكشف الغموض الذى يحيط بالكيفية التى ضاعف بها ثروته .
لا شك أن مسالة انعدام الثقة بينه وبين جمهوره بعدما اعترف بتضليلهم ستضاعف المخاطر عليه وتقود مموليه وأنصاره لفضحه فى حال استدعائهم للتحقيق لأن لا أحد منهم سيكذب ويقرر الذهاب الى السجن من أجل عيونه , وربما يطالبه الممولون باعادة أموالهم تمشيا مع دعوة الناخبين له تقديم استقالته فورا لاسيما وأنه ورغم اعترافه المزلزل يصر على الاحتفاظ بمقعده فى الكونغرس بحجة أنه لم يرتكب جرما وأن أغلب السياسيين يخترعون أشياء على هواهم فى سيرهم لجذب الناخبين !!!
فى أحاديثه لأجهزة الإعلام لم يكشف سانتوس أى معلومات عن موارده المالية باستثناء نفيه امتلاك أية عقارات .وهو يواجه الآن تحقيقا جنائيا بتهمة التآمر للاحتيال على الولايات المتحدة وتقديم بيانات كاذبة الى لجنة الانتخابات الفيدرالية,
و ذكرت تقارير صحفية حديثة ان مسئولين ولائيين وفيدراليين قد بدأوا تحقيقا للنظر فى موارده المالية. وهنا مربط الفرس . اذ ربما يكون الاحتيال على ناخبيه وتضليلهم بمعلومات مزيفة تشمل سيرته الذاتية باكملها امرا مقبولا عنده لأن السياسيين يزخرفون سيرهم حسبما يعيد هو ويكرر فى محاولة للتقليل من تأثير أفعاله,وقد لا تعد المبالغة فى السيرة الذاتية شيئا اجراميا على العموم وقد يكون استغلال مأساة الهولوكوست لتحقيق مكاسب شخصية مبررا فى رأيه, لكن اغلب منتقديه يرفعون اليوم شعار لا احد فوق القانون لأن عدم وجود عواقب للكذب الصارخ سيجعل من احتيال سانتوس نموذجا يحتذى ,فيما يقول بعض الجمهوريين أن من يكذب على ناخبيه قد يكذب على الكونغرس نفسه ويخلق بالتالى المزيد من المشاكل لحزبهم .ويبدو أن قضية جورج سانتوس الأساسية التى ستعكس عدم أهليته للمنصب العام بعد التحقيق , تتلخص فى أنه كمرشح قدم أصلا اقراره الى كاتب مجلس النواب الذى يطلب من المرشحين عادة تقديم تقارير دقيقة عن شئونهم المالية . واذا قدم مرشح ما تقريرا مزيفا يكون قد انتهك عددا من القوانين, وعليه يجوز للمدعى العام أن يلاحق أى شخص يزور عن قصد أو دون قصد اقرارات الذمة المالية المقدمة الى مجلس النواب وفقا لدليل التعليمات الصادر من لجنة الاخلاقيات فى مجلس النواب . وقد تصل العقوبات الى ٢٥٠ ألف دولار غرامة والسجن مدة خمس سنوات ويمكن لمجلس النواب اتخاذ اجراءات اضافية. المشكلة هى أن لا الناخبين ولا حاكم ولاية نيويورك التى يتبع لها يستطيعون إزاحته كون وسائل عزل عضو الكونغرس محددة بالاستقالة او الطرد او المساءلة او الوفاة. وفى هذا السياق يلقى الأمريكيون باللائمة على الحزبين لأن فحصا شاملا للمرشجين للمناصب العامة كفيل بتجنيبهم مثل هذه المواقف , وينتقدون قيادة الحزب الجمهورى بصفة خاصة لصمتهم ومداراتهم الفضيحة السياسية لأنهم لا يريدون خسارة أى صوت يؤثر على أغلبيتهم فى مجلس النواب, ولادراكهم بأن اجبار سانتوس على الاستقالة تحت أى ظرف من الظروف أمر محفوف بالمخاطر ويجعل من الصعب عليهم الفوز بذات المقعد فى انتخابات خاصة ما سيؤدى الى تعريض أغلبيتهم الضعيفة للخطر.خاصة وأن الدائرة أصلا من دوائر الديمقراطيين . ومن جهة أخرى يحتاج كيفن مكارثى زعيم الجمهوريين في محلس النواب لسانتوس خاصة وأنه يواجه تمردا من اليمين المتشدد المعارض لتوليه رئاسة المجلس ,الأمر الذى سيدفعه لعدم المخاطرة الا بانشقاقات صغيرة الى الحد البعيد بحكم ان المنصب الذى يتطلع اليه يحتاج لتصويت أغلبية المجلس .وبنفس القدر يحتاج سانتوس لمكارثى حيث سارع فى اليوم التالى لخروج قصته للعلن لدعم زعيم الجمهوريين وبذلك ضمن مقعده.
ان السؤال الكبير الذى يدور فى أوساط المحللين والمعلقين فى أجهزة الاعلام اليوم بشأن حرمان سانتوس من مقعده ومنعه من الوصول الى المعلومات السرية فى الكونغرس يتجاوز مسألة السماح له ليكون عضوا فى الكونغرس الى ما اذا كانت قيادة الحزب الجمهورى تعتقد أنه يجب أن يكون عضوا فى الكونغرس أصلا … فهل يعنى ذلك أن تغييرا فى صمت الجمهوريين قد يحدث بعد أداء سانتوس للقسم ؟ ربما تكون الاجابة هى أن التوقعات تشير الى عكس ذلك وترجح أن يتكيف الجمهوريون مع الأوضاع فيكتفون بحرمان
سانتوس من دخول اللجان بحجة أن عزله يحتاج لثلثى الأعضاء .علما بأن التحقيقات مع سانتوس قد تستغرق وقتا طويلا وبذلك يتمكن هذا النائب سيئ السمعة بالفعل من قضاء فترته فى الكونغرس المحددة بعامين .
فى الكونغرس سيكون سانتوس صيدا للصحفيين ومادة يومية لهم وذلك ضغط لا هو ولا قادته يستطيعون تحمله .