حجَّـة 21 Hajjah

حجَّـة 21 Hajjah منصة إعلامية محلية مستقلة

"الأعراس الموسمية" في الريف اليمنيمناسبات مرهونة بحصاد المحصولـــــــــــــــــــــــ * * * ـــــــــــــــــــــحجَّـة ...
01/02/2025

"الأعراس الموسمية" في الريف اليمني
مناسبات مرهونة بحصاد المحصول
ـــــــــــــــــــــــ * * * ـــــــــــــــــــــ
حجَّـة 21// تقرير: شيماء القرشي

جرت العادة في معظم مناطق الريف اليمني تدشين مناسبات الأعراس بالتزامن مع مواسم الحصاد، أو في أعقابها، لاعتباراتٍ كثيرة تُعزى -في معظمها- إلى العامل الاقتصادي الذي يرتكز على مردود المحصول الزراعي، نظرًا إلى كون السواد الأعظم من سكان الريف اليمني يعتمدون على الزراعة كمصدرٍ رئيس للدخل، إلى جانب تربية الماشية وبعض الأنشطة الأخرى ذات الارتباط العضوي بالبيئة المحلية وعلاقة الإنسان بالأرض.
في السنوات الأخيرة التي ترافقت مع فترة الحرب في اليمن، وما نجم عنها من تداعيات على مجمل القطاعات الحياتية، ولاسيما الجانب الاقتصادي، أصبح المتغير المادي لعائد المحصول أكثر أهمية وارتباطًا بما يمكن وصفه بـ "الأعراس الموسمية" كـ سِمةٍ غالبة في ثقافة الريف اليمني والمجتمع الزراعي بشكلٍ خاص.
،يذكر عبد الكريم محمد، وهو أمين شرعي (مأذون)، ما يؤكد هذه الخصوصية الموسمية لمناسبات الزواج، يقول: "من واقع تجربتي كأمين شرعي لاحظت الكثير من الأسر في الريف اليمني تفضل تحديد موعد الزواج بناءً على المواسم الزراعية، خاصة في موسم الحصاد أو بعد بداية موسم الأمطار.. السبب الرئيسي في ذلك هو الاستقرار المالي الذي توفره هذه الفترات، حيث يكون لدى الأسر وفرة اقتصادية تُعين على تغطية تكاليف الزفاف".
إلى جانب ذلك، يشير عبد الكريم إلى جزئية حساسة تتمثل في كون "كثير من الأسر الريفية تعتقد أن الزواج في هذه الفترات يضمن التوفيق والبركة في الحياة الزوجية... وهو ما يجعل هذه المواقيت أحد العوامل التي يحرص الناس على مراعاتها لضمان أن تكون بداية الحياة الزوجية في أفضل الظروف الممكنة"، حد قوله.
فرصة لا تخلو من ضغوط
"تعين عليَّ إقامة زفافي في موسم الحصاد لأنه الوقت الأنسب من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، لي ولغيري من ابناء الريف المعتمدين على الزراعة كمصدر دخل؛ حيث إننا بعد موسم الحصاد نكون قد جنينا المحاصيل، مما يوفر السيولة المالية االلازمة لتنظيم الزواج"، يقول عبد الواحد الزريقي (34 عامًا) لـ "ريف اليمن". يستطرد: "المطر يرمز إلى النمو والحياة، كان من الطبيعي أن أختار هذا التوقيت ليكون بداية لحياة جديدة.
رغم هذا الانطباع المثالي والحيثيات المنطقية في تعليل العلاقة بين إقامة حفلات الزفاف والسيولة المالية التي يجنيها القرويون من عائدات محاصيلهم الزراعية عقب -أو خلال- مواسم الحصاد، لا يغفل البعض عن الإشارة إلى وجود ضغط مضاعف خصوصًا على الفتيات الريفيات المقبلات على الزواج وأسرهن يتمثل في الجمع بين الانشغال بالترتيب لإجراءات الزفاف والانشغال بالأعباء الزراعية التي تترافق مع موسم الحصاد أوما يليه من مهام ما بعد جني المحصول.

تقول ملوك عبد الوارث (27 عامًا): "الزواج أثناء موسم الحصاد في اليمن يحمل الكثير من التحديات بالنسبة لنا كفتيات ريفيات.. وعلى الرغم أن هذه المواسم توفر بعض الاستقرار المالي للأسر بفضل وفرة المحاصيل، إلا أنني أرى أن هذه العادة تضع ضغوطًا كبيرة على الفتيات خاصةً انهن يشاركن في عملية الحصاد، حيث يكون الأهالي من المزارعين مشغولين في العمل بالأرض، مما يجعل الأسرة تركز أكثر على الإنتاج الزراعي بدلاً من التحضير الكافي لمراسم الزواج"، وبحسب ملوك فإن "هذا التوقيت قد يؤدي إلى تقليص الخيارات المتاحة للفتاة ويُفرض على الفتاة إتمام الزواج بسرعة دون استعداد كامل".
تقليد ثقافي متوارث
حول ذات الموضوع، يشير الدكتور هزاع الحمادي – مختص في التاريخ اليمني، إلى أن تقليد إقامة مناسبات الزواج بالتزامن مع مواسم الحصاد والخصب والأمطار ليس وليد الظروف الحالية، إنما له امتدادٌ ضارب في عمق التاريخ لدى المجتمعات الزراعية. يقول: "في العديد من الثقافات حول العالم، يرتبط توقيت الزواج ارتباطًا وثيقًا بالمواسم الزراعية، ليس فقط الزواج بل حتى العبادات والقرابين والنذور ومختلف الطقوس الدينية والاجتماعية حيث تُعتبر هذه الفترات هي الأنسب، بسبب الوفرة".
يوضح أيضًا "في اليمن القديم، كان للزراعة دور محوري في بناء المجتمع وتحديد أبعاده الاقتصادية والاجتماعية وكانت المواسم الزراعية، تمثل أوقاتًا مهمة بالنسبة لليمنيين في مختلف الدول اليمنية القديمة.، حيث كانت الأسر تشهد زيادة في الموارد المالية نتيجة لمحاصيلها الزراعية. من هنا، كانت العائلات في اليمن تختار توقيت الزواج خلال هذه الفترات لضمان قدرتها على تأمين كافة متطلبات العرس، ما يعكس التفاعل بين الدورة الزراعية والأنماط الاجتماعية".
وفقًا للحمادي فإن الزواج في فترات الحصاد بالنسبة للمجتمعات الزراعية يُعد خطوة نحو الاستقرار والازدهار، حيث إن ارتباط الزواج بموسم الحصاد كان -ولازال- يعني بداية حياة جديدة تتماشى مع دورة الأرض وخصوبتها، لذلك يبدو من الطبيعي اقتران تقويم موسم الحصاد الزراعي بمواعيد إقامة حفلات الزواج، كونه يعد عنصرًا جوهريًا يعكس الثقافة اليمنية القديمة وعلاقتها العميقة بالأرض والزراعة كمصدر رئيسي للعيش".
رمزية البدايات الواعدة
يعكس تقليد الأعراس الموسمية في الريف اليمني تداخلًا وثيقًا بين الثقافة الزراعية والأنماط والظروف الاجتماعية في فسيفساء الريف اليمني بمختلف بقاعه وشِعابه وخلفيات فلكلوره الثقافي في الجبل والسهل؛ حيث يتجلى من خلاله الارتباط الخفي والظاهر للأرض في تشكيل تفاصيل الحياة اليومية للمجتمع الريفي في اليمن، فضلًا عن الرمزية التي يكتنفها هذا التقليد الشائع كتجسيدٍ مجازي للخصوبة والاستقرار، وفاتحةً لبناء مستقبل جديد للأزواج في بيئة تعتمد على الزراعة كمحرك أساسي للاقتصاد والمعيشة، وهي بذلك تتجاوز كونها مجرد استجابة اقتصادية للواقع الريفي، بقدر ما تمثل إرثًا ثقافيًا متجذرًا يُبرِز العلاقة العميقة بين الإنسان والأرض، ويُعيد تعريف مفهوم البركة والوفرة والبدايات الواعدة.

حِدادٌ رمادي لأجنحةٍ مهجورةقطاع الفنادق في اليمن يواجه أزمة وجوديةــــــــــــــــــــ * * * ـــــــــــــــــــ حجَّـة ...
13/01/2025

حِدادٌ رمادي لأجنحةٍ مهجورة
قطاع الفنادق في اليمن يواجه أزمة وجودية
ــــــــــــــــــــ * * * ـــــــــــــــــــ
حجَّـة 21 Hajjah / تحقيق: أحمد عوضه & Shaima Moath
على تلة مرتفعة تشرف على مدينة صنعاء من ناحية جبل "نقم"، يشمخ واحدٌ من أفخم فنادق النجوم الخمسة المهجورة في اليمن، وهو فندق موفمبيك الذي لا يكاد يجهله معظم اليمنيين. منذ أواخر عام 2015 حتى الآن غدا الفندق خاويًا وموصد الأبواب، بعد أن كان في ما مضى يضج بالنزلاء من السياح ورجال الأعمال والدبلوماسيين من جنسيات عربية وأجنبية، وتحتشد في قاعاته الندوات والمؤتمرات.
لا يختلف "موفمبيك" عن عشرات الفنادق الأخرى في اليمن، سوى في رمزيته كشاهدٍ يلخص حالة العزلة التي انتهت إليها البلاد منذ اندلاع الصراع المسلح في خريف 2015، وانفرَاطِ العهد الذي لم يعد منه بالنسبة لليمنيين سوى ذكرياتِ ما يصفونه -على سبيل الحقيقة أو المجاز- بـ"الزمن الجميل".
تكشف البيانات التي قمنا بجمعها -من المؤسسات الرسمية ومن الميدان- عن وجود 120 فندقًا من أصل 433 فندقًا في صنعاء (أغلبها فنادق شعبية)، توقفت نهائيًا عن العمل خلال الفترة الممتدة من 2015 – 2024، منها 64 فندقًا تعرضت لأضرار متفاوتة جراء علميات القصف الجوي لطيران التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات بعد عام 2015.
في حين لجأ 49 فندقًا إلى اتباع نمط مستحدث يتمثل في تأجير أجنحتها كشقق سكنية، كنتيجةٍ لتراجع إقبال النزلاء بشكلٍ حدَّ من قدرتها على الاستمرار في العمل، منها على سبيل المثال: الريان، اليمامة، الصياد، مرسليا، الساحات... إلخ.
https://www.datawrapper.de/_/smrlA/?v=4
أمين معوضة، مدير مكتب "معوضة للعقارات" بصنعاء، يقول: "أصبح يتكرر كثيرًا التواصل معنا من أصحاب فنادق بغرض بيع الفندق كاملاً أو كشقق تمليك منفردة، وبعضهم بغرض البحث عن مستأجرين... وأكثر تلك الفنادق هي الفنادق الموجودة في الأماكن الشعبية، أو في الشوارع المزدحمة".
يعلل معوضة لجوء مُلّاك الفنادق إلى هذا الإجراء، بوجود فجوة بين التكلفة التشغيلية التي يتجشمها مُلَّاك الفنادق، بالمقارنة مع العدد الضئيل من النزلاء الذي لا يتجاوز أحيانًا نزيلًا واحدًا (تأجير غرفة واحدة فقط)، "لذلك يلجؤون إلى تحويل فنادقهم (المباني) إلى شقق سكنية، لإنقاذ الوضع.."، يضيف.
ذات الاستنتاج يؤكده طارق الجماعي، وهو سمسار عقارات بمكتب الريان بصنعاء، مشيرًا إلى رواج نمط بيع مباني الفنادق كشقق تمليك، وهي طريقة ناجعة في حال تعذُّر الحصول على مشترٍ للعقار (المبنى) بالكامل. مُستطردًا: "قبل أسبوع تواصلت معي طبيبة ترغب في بيع فندق ورثته في شارع تعز (جنوب صنعاء) كشقق تمليك، بسبب غياب النزلاء".
يلفت الجماعي إلى أنه رغم استمرار وتيرة تنقل اليمنيين وتوافدهم على صنعاء من شتى المحافظات اليمنية بزخمٍ متزايد، لغرض العلاج أو الدراسة، فإنهم يفضلون استئجار شقة عوضًا عن المكوث في فندق، حتى وإن كانت المدة التي يقضونها قصيرة.
"يتواصل معي عديد القادمين من محافظات مختلفة يريدون استئجار شقة من غرفه أو غرفتين فقط، ليقضوا أمورهم في صنعاء، ولعل السبب في ذلك هو عدم قدرتهم على دفع تكاليف المكوث في الفنادق، خاصة مع تدهور اوضاع اليمنيين المادية"، بحسب الجماعي.
"تعز" في حال مثيلاتها
محطة البحث التالية كانت محافظة تعز، في الجزء الذي تسيطر عليه الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا. متغيرات الوضع العام من حيث الواقع المعيشي والأمني وتبعات الحرب لا يختلف كثيرًا عن واقع الحال في صنعاء على الجانب الآخر.
يوجد في تعز 36 فندقًا، يعمل منها حاليًا 32 فندقًا، بينما لا يزال أربعة منها مغلقًا، وهي فنادق: سبأ، السلام، النصر، شمسان.
تُبيِّنُ وثيقةٌ حصل عليها معدا التحقيق من مكتب السياحة بتعز، وجود 20 فندقًا من هذه الفنادق تعرضت لأضرار متفاوتة خلال الحرب.
تفيد ميسون النجاشي، مديرة مكتب السياحة بتعز، لـ"خيوط"، أن عددًا من هذه الفنادق تحوَّل إلى شقق سكنية أو عُرض للبيع، "لكن بالنسبة لنا في مكتب السياحة لم نوثق عدد تلك الفنادق حتى الآن"، تستدرك.
وبالبحث في سجلات المركز الوطني للتخطيط والرصد بمدينة تعز، حول ما إذا كان هناك فنادق يتم إنشاؤها حديثًا، تبيّن من خلال التدقيق في والوثائق الخاصة بطلبات تراخيص/تصاريح الإنشاء، خلال عام 2023؛ خلوها تمامًا من وجود أي تصاريح لإنشاء فندق، في مقابل 354 تصريحًا لإنشاء عمائر سكنية، و33 تصريحًا لإنشاء مبانٍ تجارية، الأمر الذي يكشف حالة الركود في قطاع الفنادق في مدينة تعز، كما الحال في صنعاء وأخواتها.
قطاعٌ يترنح تحت ضغط التحوّلات
التحولات المرحلية وانقسام خارطة السيطرة والنفوذ بين قوى الصراع في اليمن، وبالأخص في ما يتعلق بإخراج مطار صنعاء عن الخدمة لعدة سنوات، وازدهار منفذ الوديعة على حساب إغلاق منفذ حرض الذي كان أكبر وأهم منفذ حدودي بري في اليمن، ونقل مراكز إصدار الجوازات إلى المحافظات الواقعة ضمن نفوذ الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، خلق واقعًا جديدًا وطارئًا لم يخلُ من حدوث بعض الاستثناءات التي تواكب ذلك التحوُّل الطارئ، كما حدث في مدينتي عدن ومأرب اللتين شهدتا انتعاشا ملحوظًا في قطاع الفنادق، على نحوٍ ما كان ليحدث لولا الواقع الذي فرضته إرهاصات الحرب، بخلاف بقية المحافظات اليمنية، وفي القلب منها العاصمة صنعاء التي نالها الأثر الأكبر من تبعات الحرب في ما يخص قطاع الفنادق والمرافق السياحية.
آخر مسحٍ شامل عملت عليه وزارة السياحة اليمنية -قبل أن تتفتت إلى وزارتين- لإجمالي عدد الفنادق في الجمهورية اليمنية الموحدة، كان عام 2010، بمجموع يناهز 1479 فندقًا، في عموم المحافظات اليمنية، تتفاوت في تصنيفها حسب مستوى الخدمة.
يعزو بسام مهدي – مسؤول إداري في وزارة السياحة بصنعاء، توقف وزارة السياحة عن القيام بتحديث المسوح حول حالة الفنادق في الوقت الراهن إلى عدم وجود السيولة المالية لتغطية تكاليف المسح لتحديد عدد الفنادق التي خرجت عن الخدمة أو تحولت إلى مبانٍ سكنية.
حتى الآن، لا يوجد إحصاء مُحدَّث ودقيق يمكن الاتكاء عليه لمعرفة العدد الإجمالي للفنادق التي خرجت عن الخدمة أو تعرضت للضرر في عموم المحافظات اليمنية، باستثناء تقرير رسمي مطوَّل أعدته لجنة البيئة والسياحة بصنعاء عام 2021، أشار في سياقه إلى عددٍ قَدَّرَهَ بنحو 252 فندقًا تعرضت لأضرار في عموم المحافظات اليمنية، خلال الفترة ما بين 2015 – 2021.
مع أن العدد الرسمي السابق قد يبدو منطقيًا (حال أخذنا في الاعتبار الأضرار الخفيفة والمتوسطة)، إلا أن أقصى مجموع تمكنت "خيوط" من الوقوف على توثيقه -بالاسم والمكان- لعدد الفنادق المتضررة، لم يزد عن 130 فندقًا، في عموم المحافظات اليمنية.
https://www.datawrapper.de/_/dGaZ5/?v=9
نزيف اقتصادي ومئات العاطلين
أفضى الصراع المسلح في اليمن، إلى توقف تدفق السياح القادمين إلى اليمن، حيث كان قطاع السياحة أحد أهم الروافد الاقتصادية للعملة الصعبة وتوفير فرص عمل لعشرات آلاف العامـلين/ـلات في القطاع الفندقي والمرافق السياحية المختلفة.
بحسب الإحصاءات الصادرة عن وزارة السياحة اليمنية فإن عائدات السياحة الدولية خلال عام 2014، بلغت 937 مليون دولار، بتراجع ضئيل بلغ (-3 مليون دولار) عن عام 2013م، وبنسبة انخفاض (-0,3%). وقد كان المخطط -قبل اندلاع الحرب- أن تكون المؤشرات السياحية مع نهاية عام 2015، رفع العائد إلى 1056 مليون دولار (أي ما يعادل 60% من الصادرات غير النفطية، و2% من إجمالي الناتج القومي)، ووفود 1487 ألف سائح، إلا أن أيًا من ذلك لم يحدث بعد أن أفسدت الحرب كل شيء.
يَذْكر بيان صادر عن وزارة السياحة ومجلس الترويج السياحي بصنعاء أن حجم خسائر القطاع السياحي في اليمن، خلال الفترة الممتدة بين عامي 2015 – 2021، بلغت أكثر من 745 مليون دولار، وتسريح 95% من العاملين في قطاعات السياحة المختلفة؛ كانوا يعولون بعملهم أكثر من نصف مليون نسمة على مستوى المحافظات، بمتوسط أربعة أفراد في الأسرة الواحدة.
على المستوى الداخلي، شهد اليمن خلال السنوات الماضية أحد أفظع الأزمات الإنسانية والاقتصادية والمعيشية على مستوى العالم، بحسب الأمم المتحدة. وكنتيجة لذلك، حدث انكماش اقتصادي في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 52%، خلال الفترة ما بين 2015 إلى 2022، بحسب البنك الدولي.
بالتالي كان من الطبيعي تراجع السياحة الداخلية ونسبة نزلاء الفنادق، مع الأخذ في الاعتبار أن نسبة معتبرة من الفنادق أصبحت -في ظل هذا الوضع وبمردود نشاطها الهزيل- غير قادرة دفع التكاليف التشغيلية، بما في ذلك أجور العاملين ورسوم الخدمات (التي تضاعف بعضها بنحو 300%)، والضرائب والإتاوات.
شيءٌ آخر غير المال!
خلال استطلاع قام به معدا التحقيق لاتجاهات عينة نموذجية من اليمنيين الوافدين من عديد المحافظات اليمنية إلى صنعاء بغرض العلاج أو الزيارة لفترةٍ محدودة، كان نحو 89% منهم يفضلون المكوث لدى الأقارب أو الأصدقاء، أو استئجار شقة سكنية ولو بسعرٍ مضاعف، عوضًا عن النزول في أحد الفنادق.
إلى جانب ضُعف القدرة المادية كسبب يجعل الإقامة في فندق خيارًا غير مُحبَّذ بالنسبة لأغلب المُستَطلَعين، كان لافتًا وجود سبب آخر لدى البعض منهم، يتمثل في المحاذير الأمنية، كالتعرض للاعتقال أو الابتزاز من جانب "الجهات الأمنية" لمجرد تشابه الأسماء أو لقب العائلة، أو الاشتباه، كما حدث مع عدد يتعذر حصره من نزلاء الفنادق خلال السنوات العشر الماضية، ولاسيما أنه أصبح يتعين على جميع الفنادق تقديم تحديثات دورية حول بيانات النزلاء والزوار، فضلًا عن إمكانية المداهمة والاستجواب للنزلاء. علمًا أن هذه الإجراءات لا تقتصر فقط على صنعاء بل تكاد تكون ذاتها في جميع المحافظات اليمنية، ترافقًا مع حالة الاستقطاب الشامل الذي تعيشه البلاد.
https://www.datawrapper.de/_/woXr1/?v=2
نوستالجيا الزمن الجميل
بينما تتعمق العزلة التي يعانيها اليمن من تطاول أمد الصراع والانقسام، يظل مشهد الفنادق المغلقة شاهدًا صارخًا على التحولات الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي ضربت البلاد. كل ذلك، أصبح يؤكد على أن معضلة انهيار القطاع السياحي ليست مجرد مسألة اقتصادية، بل تعكس واقعًا أوسع يعانيه اليمنيون في ظل الصراع، حيث تتقوض فرص العمل وتذبل قطاعات حيوية، ليبقى الحلم بعودة "الزمن الجميل" مجرد فكرةٍ في مهب الاحتمال.

جواز السفر: حق مهدور على قارعة الفرقاء في اليمنـــــــــــــــــــ * * * ــــــــــــــــــــ حجَّـة 21 Hajjah/ تقرير: أ...
14/03/2024

جواز السفر: حق مهدور على قارعة الفرقاء في اليمن
ـــــــــــــــــــ * * * ـــــــــــــــــــ
ـ حجَّـة 21 Hajjah/ تقرير: أحمد عوضه
بعد عناء تكبده حامد مصلح (42 عامًا) في علاج والدته المصابة بسرطان الغدد اللمفاوية في صنعاء، دون تحسن ملحوظ بسبب تدني مستوى الخدمات الطبية والعلاجية في اليمن، نتيجة تبعات الحرب التي أصابت مجمل القطاعات في البلاد.
في وضعٍ كهذا، وجد حامد نفسه أمام خيار وحيد؛ قرر السفر إلى خارج اليمن لعلاج والدته آملًا في شفائها، ومن هنا بدأت الإجراءات الأكثر مشقة التي كان الحصول فيها على جواز لوالدته المريضة أصعب من احتمال شفائها.
يقول حامد: "حين قررت الذهاب بوالدتي إلى عمّان (الأردن) بسبب تدهور حالتها الصحية وعدم نجاح أي علاج في اليمن، لم يعرقلني إلا عدم وجود جواز لي ولوالدتي، لذا عزمت على لسفر الى مدينة عدن لكي أحصل على الجواز الذي سيكون منفذ ينقذ امي من مرضها المستعصي، وهنا بدأتْ رحلة الموت التي دفعتُ ثمنها موت أمي انتظارًا للخروج من اليمن”.
يضيف -والعبرة في صوته وعينيه- في طريقي نحو مدينة عدن لاقيت تعنتاً كبيراً في النقاط الأمنية، لم تخلُ من التوقف للتحقيق الذي ينتهي كل مرة بدفع مبلغ مالي.. وحين وصلت إلى عدن وبدأت بمعاملات استخراج الجواز، وأكملت الإجراءات الأولية من ادخال بيانات وغيرها، صدمني قولهم إن دفاتر الجوازات قد نفدت، وعلي دفع مبلغ 4 آلاف ريال سعودي (ألفين عن كل جواز) إن أردت أن أحصل على جوازين بشكل عاجل!".
يتابع: “لم يكن في مقدوري الدفع فورًا، كوني تمكنت من جمع مبلغ العلاج بشق النفس، بعد أن بعت قطعة أرض كنت أملكها لإنقاذ حياة والدتي، وقبل أن أستلم جوازينا من عدن وصلني نبأ وفاة والدتي في صنعاء.. توفيت قبل أن أراها وقبل وداعها".
ليس حامد سوى واحدٍ من عدد يتعذر حصره من اليمنيين، وقصة من قصصٍ تتشابه في المصير وتختلف في التفاصيل، بدءًا من مشقة الأسفار بين المحافظات مرورًا بسلسلة طويلة من الابتزاز في النقاط الأمنية ومراكز اصدار الجوازات في المحافظات، منهم السيدة نعمة (40 عامًا)، التي كان لها -كغيرها من قاصدي استخراج جواز السفر من اليمنيين- نصيب من سردية المعاناة.
تذكر نعمة أنه تعين عليها السفر نحو اثنتي عشرة ساعة من صنعاء إلى مدينة تعز، في رحلةٍ محفوفة بالمخاطر والعراقيل عبر طرق وعرة تجشّمَتْ عناءها من أجل استخراج جوازيّ سفر لها ولزوجها المريض الذي كان هو الآخر رفيقها في الرحلة، وكانت معاناته أشد بسبب مرضه.
"لبثنا شهرًا كاملًا في انتظار خروج الجواز، كي نحصل على تأشيرة علاجية للسفر بزوجي المريض إلى الأردن، كنت كل يوم من أيام الانتظار، أطالع في زوجي وحالته تشد سوءًا يومًا تلو آخر"، تقول نعمة.
تردف: "كنت أظن أن الحصول على جواز سفر لي لزوجي المريض سيكون أمرًا سهلاً، ولكن ما قاسيناه برهن لي أن الحصول عليه وانتظار استلامه، كان أصعب من المرض ذاته، فقد تعب زوجي أثناء السفر وساءت حالته أكثر".
اقتصاد السمسرة
منذ ربيع 2015م، أصبح حصول اليمنيين على الوثائق الشخصية وخصوصًا الجواز حقًا عسير المنال، إلى الحد الذي قد يكلف المرء حياته في رحلة الحصول عليه، نظرًا للتعقيدات والابتزاز والتواطؤ الرسمي وتعدد مناطق النفوذ، التي باعدت بين أسفار اليمنيين وحرمتهم من أبسط حقوقهم.
فمع استمرار الاضطراب الأمني والسياسي، وتقاسَم جغرافيا النفوذ بين أطراف النزاع في البلاد، أصبح الاستثمار في أوجاع اليمنيين ميدانًا لجميع الأطراف تقريبًا _وإن بنسب متفاوتة_ للابتزاز والتربح، سواءً في النقاط والحواجز الأمنية التابعة لأطراف النزاع، التي تبرع في ابتزاز المسافرين واجبارهم على دفع مبالغ مالية للسماح لهم بالعبور، أم في مراكز اصدار الجوازات في المناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة المعترف بها دوليا.
فبعد توقف مطار صنعاء كليًا في السنوات الماضية، وإلغاء صلاحية الجوازات الصادرة من صنعاء الوقعة ضمن سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وهي مناطق يتركز فيها النسبة الأكبر من سكان اليمن (بما يناهز 20 مليون نسمة)، أصبح استخراج الجواز مرهونًا بمكان صدوره، أي من المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، لذا أصبح أغلب الراغبين في الحصول على الجواز يضطرون إلى السفر إلى محافظات مثل عدن وتعز ومأرب وأحيانًا المهرة وحضرموت.
وذلك يقتضي رحلة شاقة طويلة بسبب وعورة الطرقات الطافحة بالحواجز الأمنية، ومن الممكن جدا أن يتعرض المرء في واحدة منها أو أكثر إلى التفتيش المستفز وانتهاك خصوصيات هواتفهم المحمولة إلى جانب الابتزاز والإهانة، وأحيانًا الاحتجاز التعسفي أو الاعتداء المباشر، لمجرد انتمائه الجغرافي/المناطقي.
أما في مراكز إصدار الجوازات، فثمة جولةٌ أخرى من المعاناة، تتمثل في تأخير إصدارها واصطناع بعض العراقيل بغرض اجبار المواطنين على دفع مبالغ مالية قد تتراوح في المتوسط ما بين 1000 – 1500 ريال سعودي، عدا ذلك، قد ينتظر طالب الجواز أسابيع عديدة حتى يفرج عن جوازه، وتلك المدة -في العادة- لا يطيقها أغلب الناس، خصوصًا الراغبين في السفر بشكل عاجل للعلاج أو الدراسة أو العمل وليس لديهم ترف الوقت للانتظار.
وكل ذلك لا يقل شقاءً وكلفة عن مشقة الأسفار وصلف النقاط الأمنية التي يتصرف عناصرها بهمجية قطّاع الطرق، مع غياب كامل لأي مرجع قانوني يحفظ للموطن جزءًا من حقوقه الشخصية المهدورة على قارعة اللهاث خلف حق الحصول على جواز سفر بحجم الكف.
في الجانب الآخر، نشأ نوع جديد من "اقتصاد السمسرة" حيث يقوم أشخاص يعملون في مكاتب سفريات وسياحة، بتقديم خدمات استصدار جوازات سفر من عدن أو مأرب أو غيرهما لمواطنين يقيمون في مناطق خاضعة لسيطرة حكومة أنصار الله/الحوثيين، دونما الحاجة إلى سفرهم إلى تلك المحافظات.
ولكن ذلك، يتطلب دفع مبالغ بين 100 ألف إلى 200 ألف ريال يمني (تقريبًا ما يعادل قيمته ما بين 200 - 400 دولار أمريكي). ومع ذلك، فإن المدة التي قد يستغرقها إصدار الجوازات بين أسبوعين إلى شهر، وهي مدة غير كافية بالنسبة للراغبين للسفر لأغراض قد لا تحتمل التأخير.
حق مسلوب وقانون معطل
المفارقة أن مصلحة الهجرة والجوازات اليمنية التابعة للحكومة المعترفة بها دوليًا، كانت حددت سعر الجواز بسبعة آلاف وخمسمئة ريال (14 دولارا)، لكن من يرغب بالحصول عليه في الوضع الحالي، فعليه أن يدفع أكثر للسماسرة في فروع المصلحة، التي أصبح العمل فيها مصدر ثراء ودخل، عن طريق الابتزاز وعرقلة جوازات المواطنين، وهو ما يعد مخالفة قانونية وتعدٍ صريح على حق المواطن في الحصول على الوثائق الشخصية التي يكفلها له الدستور والقانون اليمني.
في السياق تؤكد المحامية شيماء القرشي، أن حق الحصول على جواز السفر، يعد حقًا مكفولًا لكل مواطن يملك الجنسية اليمنية، حيث إن الدستور اليمني ولائحة قانون الجوازات قامت بتنظيم ذلك وفق أسس وضوابط مكتملة، تكفل لكل يمني الحصول على الوثائق الشخصية -بما فيها جواز السفر والهوية الشخصية- دون عراقيل أو تعقيدات.
"لكن لعل جزء من المشكلة، يعود إلى عدم وعي أغلب المواطنين في اليمن بحقوقهم البديهية، والإخلال بذلك الحق من جانب القائمين على مصلحة الجوازات من عرقلة للمواطنين واستغلالهم أو ابتزازهم ماليًا، يعد جريمة يعاقب عليها القانون"، بحسب القرشي.
ونتيجة لمجموع تلك التعقيدات والعوائق الاعتباطية التي تقف حائلًا شائكًا أمام قاصدي استخراج الجواز من اليمنين بوصفه حقًا بديهيًا يكفله القانون، أطلق مجموعة من الصحفيين ووسائل الإعلام المجتمعية المستقلة -المقروءة والمسموعة- وفي طليعتها إذاعة أثيرfm، حملة إلكترونية تحت وسم ، كاستجابة لأوجاع اليمنيين الذين ضاقوا ذرعًا من استمرار التعنت وتعقيد عملية الحصول على جواز السفر، دون أي مبرر أمني أو قانوني.
وتجدر الإشارة، إلى أن الجواز اليمني يتذيل قائمة أسوأ الجوازات في العالم من حيث عدد الدول التي تسمح لحامليه بدخول أراضيها، حيث يقبع في الترتيب الـ 102 عالميًا، كما يعد أحد أسوأ ثلاثة جوازات عربية، بيد أن ذلك لم يمنع المواطن اليمني من الانتفاض والجهر: أشتي جواز.

العيد في حَجَّة.. اختلاس البهجة من شظف الواقعـــــــــــــــــــــ * * * ــــــــــــــــــــــ حجَّـة 21 Hajjah/ أحمد ع...
30/04/2023

العيد في حَجَّة.. اختلاس البهجة من شظف الواقع
ـــــــــــــــــــــ * * * ـــــــــــــــــــــ
ـ حجَّـة 21 Hajjah/ أحمد عوضه
مثل سائر المناطق في اليمن، تتميز محافظة حَجَّة بجانبٍ من الخصوصية في الاحتفال بالعيد، من حيث العادات والتقاليد التي يمتزج فيها الموروث المحلي بالمعتقد الديني بالفلكلور أحيانًا، على نحوٍ لا يخلو من تمايز نسبي، وإن كان في كثير من تفاصيله وأنماطه يتماثل مع مناطق أخرى من اليمن.

ما يميز محافظة حجة عن سواها من المحافظات اليمنية يكمن في تنوعها الديمغرافي، الذي يعدُّ أشبه بفسيفساء اجتماعية تختزل اليمن الكبير، من واقع طبيعتها الجغرافية التي تمتد بين الجبل والساحل التهامي، وصولًا إلى الحدود السعودية التي تحاذي الجزء الشمالي من محافظة حجة، إلى جانب فئة قليلة من سكان الجزر التابعة لقطاع ميدي في البحر الأحمر، الأمر الذي يجعلها تلخيصًا مصغَّرًا لعموم اليمن بكل فئاته وثقافاته.

هذا التنوع الكثيف حمل تأثيره المكاني على الثقافة المحلية، وأثرى تنوعها على نحوٍ غير اعتيادي، بالمقارنة مع نظيراتها من المحافظات اليمنية الأخرى. ومن جملةِ ذلك، طقوسُ الاحتفال بعيد الفطر، الذي يعدُّ إحدى المناسبات الدينية الأعلى مقامًا في وجدان المسلمين، ولا سيما في المجتمعات العشائرية التي ما تزال أكثر حميمية مع الدين وأكثر ارتباطًا بالفلكلور الملحي، شأن محافظة حجة.
اختلاس البهجة

رغم الضائقة المعيشية التي يعاني منها اليمنيون، بمن فيهم سكان محافظة حجة، تغص الأسواق بالحركة تأهبًا للعيد، بينما تعكف ربات البيوت على تحضير الحلويات والمعجنات التي تعد جزءًا أصيلًا من أجواء العيد بمحافظة حجة، تمامًا كما هو حال بقية مناطق اليمن والعالم الإسلامي، بحكم ما جرت عليه عادة الزيارات المتبادلة بين الأقارب وتبادل التهاني والأمنيات السعيدة بين أفراد المجتمع، كنوعٍ من العادات الدينية التي يحض عليها الإسلام.
في صباح العيد، تصدح مآذن المساجد بأصوات التكبير أو التلاوات والأذكار المأثورة. في أثناء ذلك يخرج الرجال والأطفال في ثيابهم الجديدة، لصلاة العيد في الجبَّانات أو المساجد، بينما تظل النسوة في البيوت لإعداد فطور العيد الذي يتكون عادةً من خبز الطابون مع العسل أو زيت السمسم، فيما تزدهي المجالس بأطباق الحلويات والمكسرات والسكاكر، استعدادًا لاستقبال الضيوف.

أما في بعض مناطق الشمال الشرقي من محافظة حجة، فتأخذ الطقوس العيدية شكلًا كرنفاليًّا، حيث يتجمهر شباب العشيرة والفتيان اليافعون صباح العيد لأداء "البَرَع"، وهي رقصة حربية تُؤدَّى بشكلٍ جماعي متناغم على إيقاع الطبل و"الطاسة"، إلى جانب إنشاد "الزامل"، وهو أيضًا نوعٌ من الشعر الشعبي الحربي، يُعتَقد أن بداية ظهوره تعود إلى فترة ما قبل الإسلام، وتحديدًا إبان الغزو الروماني لليمن؛ يُؤدَّى بشكلٍ جماعي، وهو سبب تسميتها (أزمالًا)، التي ترادف في اللغة معنى أخلاط، دلالة على اختلاط أصوات منشديه ببعضها، إلا أن هذه العادة بدأت تنحسر بشكل تدريجي خلال السنوات الأخيرة.
فرحةٌ لم تكتمل

رغم ما يحمل العيد من البهجة ومشاعر القرب واجتماع العائلات وعودة الغائبين، قد لا يخلُو من إذكاء مشاعر الفقد والشجن، بالنسبة للعائلات التي فقدت واحدًا من أبنائها أو أكثر خلال الحرب، التي أجهزت على الآلاف من الشباب بمحافظة حجَّة ممن انخرطوا مع أطراف الصراع، إذ تُعد حَجَّة المحافظة الثانية في اليمن من حيث عدد القتلى الذين قضوا في الحرب، بعد محافظة صعدة (شمال اليمن)، وتتصدر مديرية المفتاح القائمة بعددٍ يقترب من ألفي قتيل منذ مارس/ آذار 2015، حتى الآن.

في واقع كهذا، ليس العيد سوى مناسبةٍ تنكأ القلب، وفقًا لـ(أُمّ عبد الوهاب)، وهي سيدة أربعينية فقدت اثنين من أبنائها في أقل من سنة، تقول" إن العيد يؤجج في قلبها مشاعر الفقد، بعد أن هلك ابْنَاهَا في الحرب، "حين أتذكر أن الغائب لا يعود من تحت التراب أبكي وأتألم. في العيد الفائت ذهبت إلى الروضة (المقبرة) حيث يرقدُ ابْنَايَ، وطفِقتُ أبكي بلا توقف. حسبي الله ونعم الوكيل على من كان السبب"، تردف.

دون أم عبد الوهاب، كثيرٌ من الأمهات والآباء والأبناء والزوجات بمديريات محافظة حجة، يتشاركون مشاعر الحزن ذاتها، جراء فقدانهم واحدًا من ذويهم أو أكثر خلال الحرب، إلا أن ذلك لا يمنع في العادة من اختلاس لحظاتِ سعادة يتقاسمون فيها دفء التآلف والقرب مع محيطهم وعائلاتهم كنوعٍ من البرتوكول خلال العيد، رغم قسوة الواقع الذي لا مناص لهم من محاولة التصالح معه، وإنْ على مضضٍ ومشقة.

ارتفاع متصاعد لـ"جرائم الأحداث".. أعراض جانبية للحرب في اليمنـــــــــــــــــــــ * * * ــــــــــــــــــــــ حجَّـة 2...
06/04/2023

ارتفاع متصاعد لـ"جرائم الأحداث"..
أعراض جانبية للحرب في اليمن
ـــــــــــــــــــــ * * * ـــــــــــــــــــــ
ـ حجَّـة 21/تقرير// شـShaimaـيـماء القرشي
في الواحدة بعد منتص ف الليل، بينما كان أحمد (26 عامًا)، يتأهب لمغادرة صالون الحلاقة الذي يعمل به، دلف إلى صالونه ثلاثة مراهقين في حالة سُكْر، أكبرهم عمرًا لم يتجاوز السادسة عشرة، يتأبطُ سيخًا معدنيًّا ويتفوَّه بكلمات خادشة، قبل أن يدفعه ورفيقيه بالقوة خارج المحل.
يقول أحمد _الذي يُلقي اللومَ على إهمال الأهل_ إنّ الأمر بات مألوفًا بالنسبة له، إذْ ليست هذه المرة الأولى التي يحدث معه شيء من هذا القبيل، فقد تكرّر أن شاهد في بعض الليالي قاصرين يتسكعون في مجموعات في وقتٍ متأخر أو يتشاجرون مع بعض أصحاب المحلات الذين يتهمونهم بالسرقة.
يستطرد: "في الليلة قبل الماضية، رأيت أحد الصبيان يحاول السرقة من شاحنة محملة بالفاكهة ثم يلوذ بالهرب، الأمر لا يقتصر على ذلك فقط؛ هناك عصابات من المنحرفين، أغلبهم دون سن الثامنة عشرة يمارسون السرقة ويتعاطون القات والكحول، والخطير أنّ بعضهم يحملون أسلحة كنوعٍ من "البلطجة"، لابتزاز الضحايا من أصحاب المحلات وصغار الباعة، مستغلين الترهل الأمني في البلاد"، حدّ قوله.
لا يُعدّ هذا سوى مَلمَحٍ بسيط عن مدى تصاعد معدل "جريمة الأحداث" في اليمن خلال السنوات الأخيرة، في ظل الواقع المأساوي الذي تعيشه البلاد في ظلّ الحرب والانهيار الاقتصادي الكبير الذي ساهم في تمدّد الظاهرة وانتشارها على نحوٍ غير مسبوق، ودفع بآلاف القاصرين وطلبة المدارس إلى التسول والتسرب المدرسي والانخراط في عصابات إجرامية، أو في أحسن الأحوال إلى العمل بأجور زهيدة وفي ظروف غير آمنة.
و"الحدث" _وفقًا للقانون اليمني_ كلُّ شخص لم يتجاوز عمره 15 سنة كاملة وقت ارتكابه فعلًا مجرمًا قانونًا أو عند وجوده في إحدى حالات التعرض للانحراف. في حين تطلق "جرائم الأحداث" على جميع الجرائم التجاوزات غير القانونية التي يقوم بتنفيذها قاصرون، مثل السرقة والتسول والهروب من البيت أو المدرسة وتعاطي المخدرات وممارسة الدعارة أو الاعتداء على الممتلكات وغيرها من الجرائم التي يحدّدها القانون بجرائم جسيمة وغير جسيمة.
وتخضع عقوبات هذه الجرائم لقانون خاص يُعرف بـ"قانون الأحداث"، الذي يتضمّن عقوبات مخففة مثل الغرامة أو دفع تعويض عن الضرر، وفي بعض الحالات تصل إلى السجن أو إعادة التأهيل لدى الدور الخاصة المرخصة من قبل الدولة.
ويشهد اليمن منذ مارس/ آذار 2015، صراعًا مسلحًا دخل عامه الثامن بين جماعة الحوثيين المسيطرة على العاصمة صنعاء من جهة، وقوات الحكومة المعترف بها دوليًّا والمدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية من جهة أخرى.
خيبة الأهل وضياع المستقبل
لم يخطر ببال الأب (م. ن) (42 عامًا)، المغترب في السعودية منذ 7 سنوات، أنّ ابنه (ض) (14 عامًا)، المتفوق في مدرسته سيتحول في يومٍ ما إلى قاتل في شجار على حزمة قات. حدث ذلك عشية خلاف طرأ بين الصبي _الذي يدرس في الصف التاسع الأساسي_ مع بائع قات بسوق حَجّة، انتهى بأن غرس الصبي جنبيته (خنجر شعبي) في صدر البائع فأرداه صريعًا، ردًّا على صفعةٍ تلقاها من جانب الأخير.
في سجن النصيرية بحَجّة (200كم شمال صنعاء)، يقبع عشرات القاصرين المتهمين بجرائم قتل، بعضهم تخلت عنهم عائلاتهم، هربًا من أيّ مسؤوليات وتبعات قد تنالهم. يقول بعض القائمين على السجن، إنّه في بعض الحالات يكون استمرار الاحتجاز ضروريًّا؛ حفاظًا على حياة الحدث، عدا في حال الوصول إلى تسوية مع أولياء الدم، للحيلولة دون حدوث ثأر، خصوصًا أنّ ظاهرة الثأر (التي ما تزال منتشرة في المجتمعات القبَلية) لا تضع أيّ اعتبارات لعمر القاتل صغيرًا أم كبيرًا.
وتتصدّر التجاوزات التي يرتكبها الأحداث الذكور بشكلٍ واضح، ولا سيما في المدن، في حين ما تزال نسبة الإناث محدودة نسبيًّا، تتعلق في الغالب بالتسول والسرقة والاحتيال، وَفقًا لمسؤول أمني بوزارة الداخلية (طلب عدم ذكر اسمه كونه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام).
الحرب والواقع البائس
رغم الانتشار الكبير للظاهرة، لا تتوفر إحصائيات رسمية أو غير رسمية عن عدد الأحداث الجانحين، ما خلا بعض الإحصائيات الصادرة عن دور التأهيل بعدد النزلاء لديها، وهي لا تعدو كونها نسبة ضئيلة لا يُعتدّ بها، مقارنة بحجم الظاهرة في الواقع.
ويعزو كثيرٌ من المختصين الارتفاعَ المفاجئ لظاهرة جنوح الأحداث، إلى الظروف التي تشكّلت بموازاة الصراع الدامي في البلاد، الذي تسبّب في مقتل وجرح أكثر من 17,500 مدني، وتشريد نحو مليونَي نازح، بينما يعاني أكثر من 20 مليون شخص في اليمن، من انعدام الأمن الغذائي؛ منهم 10 ملايين معرضون لخطر المجاعة، وفقًا لتقرير منظمة هيومن رايتس وتش رافق ذلك تهاوٍ كارثيّ في قيمة العملة المحلية (الريال)، وارتفاع قاصم في أسعار السلع الغذائية والخدمات والوقود، وتوقف كثير من الأنشطة الاقتصادية في البلاد، إلى جانب حرمان مليون ونصف المليون موظف في القطاع العام، من رواتبهم منذ أغسطس/ آب 2016م.
في السياق، يؤكّد محمد العرافي- مدير دار التوجيه الاجتماعي للأحداث بصنعاء، أنّ الواقع الذي صنعته الحرب في اليمن ساهم بشكلٍ كبير جدًّا في انتشار ظاهرة جنوح الأحداث في تغذية العنف لدى القاصرين، خصوصًا مع موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها البلاد، حيث اضطرت بعض الأسر إلى إخراج أولادها للكسب بعد انقطاع المرتبات ومصادر الدخل، وهو ما يعرف بـ"ظاهرة أطفال الشوارع"، وهذه الظاهرة ساهمت في اكتساب الأطفال لسلوكيات العنف، أو يتم استقطابهم للقيام بممارسات خاطئة أو في تجارة البشر أو السرقة، فضلًا عن وجود أُسَر تفرض على أبنائها توفير مبلغ معين في اليوم، ما لم فسيتعرضون للعقوبة أو يُحرمون من دخول المنزل، وهو ما يدفع بهؤلاء إلى ممارسة السرقة لتوفير المبلغ المطلوب.
بحسب العرافي، فإنّ هناك أسبابًا أخرى لتمدّد الظاهرة، بَيْدَ أنَّ إفرازات الحرب كانت العامل المباشر في مضاعفة جرائم الأحداث، وتعزيز قابلية العنف، خصوصًا تجارة البشر إلى جانب العنف المنزلي الذي يتعرّض له الأطفال.
على المستوى النفسي، يشير المدون والباحث في علم النفس، معاذ الصالحي، إلى أنّ الأبحاث النفسية تؤكّد أنّ للحرمان المادي والواقع المعيشي المزري آثارًا فظيعة على النشاط العصبي كالقدرة على التخطيط والتركيز والتحليل والتذكر وبعض المهارات الأخرى؛ ذلك أنّ الفرد الذي ينشأ في بيئة محرومة، في الغالب يتلقى تعليمًا سيئًا ونظامًا صحيًّا رديئًا، وتغذية غير صحية، أو ربما غير كافية، ونتيجة لفقدان أبسط الحاجات الأساسية يصبح الفرد متقوقعًا في حلقة البؤس والعنف، وهذا بعينه جوهر المشكلة في الغالب.
يضيف الصالحي أنّه عندما يحمل الفرد سلاحًا بيده لأول مرة، ثم يقوم بتوجيهه نحو شخصٍ ما للحصول على المال مثلًا، على الأرجح سيولد لديه حافزٌ أكبر لحمل السلاح مرة أخرى للحصول على مكافآت أكثر. في المقابل، قد يتسلح الانسان أيضًا تجنُّبًا للعواقب والجرائم التي من المحتمل أن يتعرّض لها، وبهذا تدور طاحونة العنف.
ارتفاع موازٍ للجرائم الجنائية
شيوع الجريمة في اليمن، لا يقتصر فقط على جرائم الأحداث والقاصرين، إنما يتخطى ذلك، فجرائم الأحداث ليست سوى امتدادٍ لواقعٍ ازدهرت فيه الجريمة بالمجمل. تشير الأرقام إلى زيادة في معدل الجرائم خلال السنوات الأخيرة بصورة غير مسبوقة.

وبحسب بيانات موقع "NUMBUE" فإنّ معدل الجريمة في اليمن شهد خلال السنوات الثلاث الماضية ارتفاعًا بمعدل 80,30%، كما يتذيَّل اليمن في قائمة الشعوب العربية الأقل أمانًا، وفق تصنيف مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث.

Address

Hajjah

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when حجَّـة 21 Hajjah posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Contact The Business

Send a message to حجَّـة 21 Hajjah:

Share