17/06/2025
تحديد أرباح #المضاربة في الفقه والقانون اليمني
أ . د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
نظم القانون المدني اليمني عقد المضاربة في المواد من (841) حتى المادة (873)، وضمن ذلك عرّف القانون المدني المضاربة في المادة (841) التي نصت على أن (المضاربة (القراض) هي أن يدفع شخص هو رب #المال أو من يمثله إلى شخص آخر مالاً معلوم المقدار والصفة مقابل جزء من #الربح معلوم النسبة وبحسب العرف)، فقد اشترط هذا النص ان يتم تحديد نسبة ربح كل من صاحب المال والعامل المضارب في عقد المضاربة أي في بداية علاقة المضاربة بين الطرفين ، بيد ان هناك إشكاليات عدة تنتشر في اليمن عند تطبيق عقد المضاربة عندما لايمسك المضارب بالمال الدفاتر والسجلات اللازمة أو تلك التي تم الإتفاق على أن يمسكها المضارب ، وكذلك حينما لايلتزم المضارب بإطلاع صاحب المال وموافاته بكشوفات حسابات منتظمة تبين المركز المالي لعمليات المضاربة التي قد تستمر لسنوات بل لعقود من الزمن من غيرتنضيض أي تصفية لنتائج عمليات المضاربة وتحديد ربح كل طرف، وهذا شائع في اليمن بكثرة.
إضافة الى ان هذا النص قد صرح بإن العرف معتبر في اجراءات وكيفية #إحتساب ارباح المضاربة عند الخلاف بين المضارب وصاحب المال وعدم التزام المضارب بمسك الدفاتر والسجلات والنظم المحاسبية اللازمة.
ولذلك فأنه ينبغي على القاضي في هذه الحالة عند رفع الخلاف إليه بشأن إحتساب وقسمة الأرباح فيما بين الطرفين يجب عليه اللجوء إلى العرف طالما أن صاحب المال ينازع في صحة وسلامة كشوفات حساب المضاربة أو لم تتوفر في تلك الكشوفات الشروط التي تبعث الثقة فيها، فعندئذٍ يتم اللجوء إلى أصحاب الدراية والخبرة بعرف المهنة التي عمل فيها المضارب أو استثمر فيها المال، حسبما أشار الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15-3-2010م في الطعن رقم (37155)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (كما أن المحكمة الإبتدائية والشعبة الإستئنافية لم تحققا في دفاع الطاعن أنه كان يسلم الى المطعون ضده كشوف حسابات المضاربة بالكمية المسلمة له من المطعون ضده ، فقد ذكر الطاعن في دفاعه أنه كان يسلم تلك الكشوفات إلى المطعون ضده بصفة دورية حتى عام....، فعلى الشعبة أن تستأنس بما جرى عليه العرف في هذه المهنة لتحديد حقوق كل طرف)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية عقد المضاربة (القراض):
المضاربة : عقد يتم إبرامه بين طرفين يقدم أحدهما (صاحب المال) يقدم مالاً للطرف الآخر (المضارب أو #العامل) ليتجر العامل بالمال أو يستثمره على أن يكون الربح بينهما حسب النسبة التي يتفق عليها الطرفان، أما الخسارة فيتحملها صاحب المال وحده إلا في حالة تعدي المضارب أو تقصيره.
وقد عرّف القانون المدني اليمني المضاربة بتعريف مقارب للتعريف الفقهي ، حسبما هو مقرر في المادة (841) التي نصت على أن (المضاربة (القراض) هي أن يدفع شخص هو رب المال أو من يمثله إلى شخص آخر مالاً معلوم المقدار والصفة مقابل جزء من الربح معلوم النسبة وبحسب العرف)، (النظرية العامة للمصرفية الإسلامية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠١٩م، ص351).
الوجه الثاني: شروط وضوابط المضاربة:
وضع الفقه الإسلامي والقانون المدني اليمني عدة شروط وضوابط لصحة عقد المضاربة يمكن تلخيصها وعرضها على النحو الآتي:
لا يضمن المضارب رأس #المال إلا بالتعدي والتقصير.
إذا حققت المضاربة أرباحاً فيتم تقاسمها بحسب النسبة التي سبق الإتفاق عليها بين صاحب المال والمضارب ، وإذا حدثت خسارة فيتحمل خسارة المال صاحب المال وحده.
أن يكون رأس المال حاضراً ومسلماً للمضارب ، فلا يجوز أن يكون رأس المال #ديناً.
أن تكون أرباح صاحب المال والمضارب شائعة في الربح المحقق أي نسبة معينة وليس مبلغاً مقطوعاً ولا حصة شائعة من رأس المال، لأن إشتراط الحصة من رأس المال يكون في حكم المبلغ المقطوع.
يجب أن يتم توزيع الأرباح من الربح الحقيقي المتحقق فعلاً، لأنه إذا تم تقسيم ربح من غير أن يكون هناك ربح محقق فان ذلك يعد إحتيالاً على أموال الناس أو قرضاً بفائدة.
يجب على المضارب أن يتجر أو يستثمر المال في مباح. (الفقه المقارن مع مسائل فقهية معاصرة، أ. د .عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 201٦، ص137).
الوجه الثالث: كيفية تقييم الأرباح الناتجة عن المضاربة:
لايتم تقسيم الربح الا من الربح الصافي، وذلك بعد خصم المصاريف والتكاليف التي تكبدها العامل أو المضارب ، والأصل أن يتضمن عقد المضاربة بنداً يحدد النسبة المستحقة لصاحب المال والنسبة المستحقة للعامل المضارب، وعندئذٍ يجب تنفيذ ما تم الإتفاق عليه بين الطرفين، أما إذا لم يتم تحديد نسبة ربح أي من الطرفين في عقد المضاربة فيتم تقسيم الأرباح بين الطرفين بالتساوي.
وإذا كان المضارب قد خلط ماله مع رأس مال المضاربة فيتم توزيع الربح على أساس نسبة كلٍ منهما في رأس المال.
إضافة الى ان الأصل أن الربح في المضاربة لا يتم توزيعه إلا بعد التصفية وتنضيض المال حقيقة اوحكما أي تحويل جميع البضاعة إلى نقود أو تقويم ما بقى منها ومعرفة الربح وهو ما زاد على رأس المال بعد خصم المصروفات، ويمكن أن تتم هذه التصفية كل شهر أو شهرين أو غير ذلك فيأخذ العامل نسبته ويأخذ صاحب المال رأس ماله بضاعة أو نقوداً إضافة إلى نسبة ربحه.
ويجوز تقسيم ما ظهر من ربح تحت الحساب ، فيأخذ العامل نسبته وينفق على نفسه منها ، لأن العامل يملك حصته من الربح بمجرد ظهوره ،ولكنه ملك غير مستقر، فقد جاء في المعايير الشرعية ص373: (والعبرة بجملة نتائج الأعمال عند التصفية فإذا كانت الخسارة عند تصفية العمليات أكثر من الربح يخصم رصيد الخسارة من رأس المال ولا يتحمل المضارب منه شيئاً بإعتباره أميناً مالم يثبت التعدي أو التقصير، وإذا كانت المصروفات على قدر الإيرادات يتسلم صاحب العمل رأس ماله، وليس للمضارب شيء، ومتى تحقق ربح فأنه يوزع بين الطرفين وفق الإتفاق بينهما ، ويستحق المضارب نصيبه من الربح بمجرد ظهوره (تحققه) في عمليات المضاربة ، ولكنه ملك غير مستقر، إذ يكون محبوساً وقاية لرأس المال فلا يتأكد إلا بالقسمة عند التنضيض الحقيقي أو الحكمي، ويجوز تقسيم ما ظهر من ربح بين الطرفين تحت الحساب، ويراجع ما تم دفعه مقدماً تحت الحساب عند التنضيض الحقيقي أو الحكمي.
ويتم توزيع الربح بشكل نهائي بناءً على أساس الثمن الذي تم بيع الموجودات به وهو ما يعرف بالتنضيض الحقيقي، ويجوز أن يتم توزيع الربح على أساس التنضيض الحكمي ، وهو تقييم الموجودات بالقيمة العادية، وتقاس الذمم المدينة بالقيمة النقدية المتوقع تحصيلها أي بعد حسم نسبة الديون المشكوك في تحصيلها ، ولا تؤخذ في قياس الذمم المدينة القيمة الزمنية للدين (سعر الفائدة) ولا مبدأ الحسم على أساس القيمة الحالية (أي ما يقابل تخفيض مبلغ الدين لتعجيل سداده). (النظرية العامة للمصرفية الإسلامية، أ. د .عبد المؤمن شجاع الدين، جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2024م، ص ).
الوجه الرابع: قيد إيرادات المضاربة ومصروفاتها:
يجب على المضارب أن يمسك الدفاتر والسجلات اللازمة لقيد الإيرادات المتحصلة من عملية المضاربة وكذا دفتر أو سجل خاص بقيد المصروفات وكذلك يجب عليه أن يمسك دفتر اليومية الذي يتم فيه قيد عمليات الإيرادات والمصروفات اليومية، إضافة إلى أنه ينبغي على المضارب أن يمسك دفتر الجرد والدفاتر التجارية المقررة في القانون التجاري التي اشترطها ذلك القانون.
بالإضافة إلى ذلك فإنه يجب على المضارب الإحتفاظ بالمستندات المؤيدة لصحة القيود المحاسبية في الدفاتر التجارية المشار إليها حتى تكون الدفاتر التجارية نظامية ومقبولة قانوناً لإظهار المركز المالي لعملية المضاربة بصدق وأمانة.
ويحق لصاحب المال أن يشترط في عقد المضاربة إلزام المضارب بنظم وسجلات حسابية معينة، وفي كل الأحوال ينبغي على المضارب أن يوافي صاحب المال بكشوفات حساب منتظمة عن سير عملية المضاربة وما تحققه من ربح وخسارة أولاً بأول، كما ينبغي على المضارب أن يمكن صاحب المال من الإطلاع على الدفاتر وحسابات شركة المضاربة، وكذا ينبغي على المضارب أن يوافي صاحب المال بأية حسابات قد يطلبها بشأن عملية المضاربة ، فإن لم يقم المضارب بذلك فإن ذلك يعد تقصيراً من جانبه.
وقد كانت هذه المسألة سبب الخلاف بين صاحب المال والمضارب في القضية التي أشار إليها الحكم محل تعليقنا، فإلتزام المضارب بالنظم المحاسبية السليمة والدفاتر التجارية اللازمة وموافاته لصاحب المال بكشوفات حساب منتظمة وعدم إعتراض صاحب المال عليها في حينه ، كل هذا يجنب الطرفين الخلاف واللجوء إلى العرف لإحتساب الأرباح والخسائر والإيرادات والمصروفات، فعند وجود الدفاتر والسجلات وإلتزام المضارب بالنظم المحاسبية يوجد الأساس السليم لإحتساب #إيرادات ومصروفات عملية المضاربة وفي ضوء ذلك يتم تحديد الأرباح والخسائر دون حاجة إلى أصحاب العرف في المهنة التي سلكها المضارب في مضاربته.
(النظرية العامة للمصرفية الإسلامية، أ. د .عبد المؤمن شجاع الدين، جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2024م، ص ).
الوجه الخامس: يكون اللجوء إلى العرف لإحتساب الأرباح والخسائر وحقوق العامل وصاحب المال يكون عندما لا يلتزم المضارب بالسجلات أو الدفاتر والنظم المحاسبية المقررة في القانون أو التي اشترطها صاحب المال:
إذا لم يلتزم المضارب بالدفاتر والنظم المحاسبية السابق ذكرها، فيتم اللجوء إلى العرف أي العارفين من أصحاب المهنة المماثلة للعمل الذي قام به المضارب لتحديد أرباح وخسائر عملية المضاربة، وفي ضوء ذلك يتم تحديد صافي الربح الإجمالي ويتم توزيعه بحسب الإتفاق المسبق بين المضارب وصاحب المال حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم